تأليف
نجيب محفوظ
الرجل الثاني
1
جذبني مقهى النجف في سن المراهقة. كانت سنا يستهجن فيها غشيان المقاهي. الحق لم يجذبني المقهى نفسه؛ ولكن شدني بقوة سحرية صاحبه موجود الديناري الأسطورة الباقية. إنه آخر الفتوات غير أنه بالقياس إلي أول الفتوات وآخرهم. ذهبت لأحظى بمشاهدته فوق أريكة الإدارة في شيخوخته المجللة بالمهابة والقوة والجمال. اخترت مجلسا بعيدا عن مجلسه، منعني الإكبار، وجاء بي دوما ما استقر في قلبي من حكايات فتونته، سحرتني أكثر نوادره الغامضة التي تضاربت حولها التفاسير. طالما شعرت وأنا أحتسي قرفته المخلوطة بالمكسرات بأنني أعيش أبهج ما في الماضي والحاضر والمستقبل. •••
يحكى أن ...
يحكى أنه ألقى على أتباعه ذات يوم تحديا. عند الفجر من سهرة في غرزة المنارة المسقوفة بالسماء. قلب عينيه في وجوه الرجال فلم يبرح أحد مكانه. تبدت وجوههم غامضة على ضوء النجوم. تبدت وجوههم ذابلة من شدة السطول. تبدت وجوههم مخضلة بالندى. في فصل صيف شهد له الآباء بالغلظ، قال لهم: لن ترجعوا إلى بيوتكم قبل أن تسمعوا.
تطلعوا إليه باهتمام. جاهدوا نعاس الخدر. توقعوا نبأ عن معركة. موجود الديناري قهقه حتى سعل. قال بتؤدة أضفت على بنيانه القوي وملامحه الواضحة جدية مثيرة: إنكم تتساءلون ...
اشتعلت اللهفة ونفد الصبر فواصل الرجل: ما من جماعة مثلنا إلا وفيها رجل ثان، على ذلك جرى عرف من غبر ... ندت عن «طباع الديك» حركة عفوية داراها بسعلة مصطنعة. لم تغب عن عين الرجال ولا عين الرجل. كان أقوى الأتباع وأشجعهم وإن لم يجهر بذلك أحد، وطالما اعتقد أن المنزلة الثانية بمثابة حقه المعتبر. تساءل المعلم: ما رأيكم؟
أكثر من صوت أجاب: الرأي ما ترى يا معلم. - كلكم أقوياء، كلكم شجعان، ولكن الفتونة الحقة لا تستند إلى القوة والشجاعة وحدهما!
অজানা পৃষ্ঠা