قلت: لم يبق لنا في هذا البحر إلا الاسم؛ تسير السفن فيه عقول غير عقولنا وأيد غير أيدينا، والأمر في سواحله لغيرنا، وإنما لنا صور لا تملك شيئا. في هذا البحر سار العرب إلى الأرجاء، فنشروا تجارتهم وحضارتهم ودينهم ولغتهم في سواحل أفريقية الشرقية والجزر النائية منذ عصور بعيدة، وبلغوا سواحل الهند والملايو وسنغافورة وجاوه، لم تنقطع صلاتهم بهذه البلدان ولا وقف سفرهم إليها على اختلاف الأحوال، ولا يزالون اليوم على العلات يسافرون بين سواحل الجزيرة الجنوبية وتلك الأقطار. وكان حرس حيدر آباد إلى زمن قريب منهم، وكان سلطان حضرموت مقيما هناك أكثر الأحيان، وكان للعرب فيه السلطان حتى العصور الحديثة. كانت السفن المصرية حتى القرن العاشر الهجري تجول إلى سواحل الهند وتبني قلاعا هناك، وتنقل السلع بين مصر وتلك البلاد، ثم غلبنا في السياسة والتجارة فلم يبق في سلطاننا شيء.
شرعت الأحوال تتبدل والزمان يستدير فعسى أن يكون للعرب في بحرهم مجال وعلى شواطئه ولججه وجزره سلطان، عسى أن يكون لهم في أمور العالم رأي ليشاركوا في حضارة العالم، ويؤدوا نصيبهم في عمرانه وتدبيره.
أليس عظيما أن تلم ملمة
وليس علينا في الحقوق معول
الأربعاء 20 محرم/1 نوفمبر
ساحل حضرموت
نمر اليوم بساحل حضرموت، وكم تمنيت أن أزور البلاد، وتمنيت أن يزورها علماء باحثون يعرفون جبالها وأوديتها، وحيوانها ومعادنها، ثم يخطون الخطط الضامنة عيشا رغدا للحضارمة على قدر الطاقة. هذه الجماعات الذكية النشيطة التي شغلت البحار والشطآن منذ الأعصر الأولى، والتي لها في التجارة عقول مدبرة وأيد متصرفة. إننا لا نعلم عن حضرموت إلا قليلا، وحق علينا أن نعلم وأن نعمل، ولعل الله ييسر للعرب العلم والعمل.
ثم في حضرموت آثار جديرة بالعناية، وفي حضرموت مشاهد ينبغي أن يعنى بها لتعرف حقيقتها. هناك قبر يسمى «قبر هود»، فهل هو قبر النبي هود الذي ذكر في القرآن وسميت به إحدى السور؟ وهناك بئر ذكرت في الكتب الإسلامية باسم بئر برهوت، وقيل: إن أرواح الكفار تجتمع فيها، ما هذه البئر ولماذا قيل فيها هذا القول؟
أعرف أن دول العرب في شغلهم بأمورهم وأنهم كما قال شوقي:
أيها الصارخ من بحر الهموم
অজানা পৃষ্ঠা