كثيرا ما سمعت ناسا يرمون الأمة بالفساد، ويدعون أن الشر عليها غالب، والصلاح منها بعيد، ويقولون: انظر إلى فلان وفلان وكل ذي شأن في هذا الحين، فهل تعدهم من الأخيار أو الأشرار؟ لقد غلب الداء وعز الدواء.
وكان جوابي: لا يخدعنكم الفساد الظاهر والشر المستشري، ولا يهولنكم ذكر فلان وفلان من المفسدين، ففي الأمة أخيار أكثر ممن تعدون من الأشرار، ولكنها راية رفعت للشر فأوى إليها أشرارها، وهرع نحوها أنصارها، ونفر منها الأخيار فلم ينحازوا إليها، ولم تسمع أصواتهم حولها، ولو رفعت للخير راية لانحاز إليها الأخيار وحفوا بها وسكنت أمة الأشرار وقل جمعهم وخفت ذكرهم.
إن في الأمم خيرا وشرا، وفسادا وصلاحا، ومصلحين ومفسدين، فإن رفعت راية للخير انضوى إليها الأخيار في كل طائفة، وغلب بها الخير في الأنفس التي يغلب شرها خيرها ونبت خير في نفوس لا خير فيها. فإن الإنسان لا يخلو، وإن عظم شره واستشرى داؤه، من نزعة للحق كامنة، وعاطفة للخير مستسرة. وكذلك إذا رفعت راية للشر ظهر الأشرار في الجماعة، وقوي الشر في الأنفس، ونبت في القلوب. فاجتهدوا أن تكون للأمة أسوة في الخير لا في الشر، واعملوا على أن ترفع للصلاح راية لا للفساد، وأيقظوا دواعي الحق في النفوس لا أهواء الباطل، وظنوا بالأمة خيرا، وإن أظلمت أرجاؤها وأعضل داؤها. أنزلوا راية الشر وارفعوا راية الخير تجدوا تصديق ما أقول.
السبت 18 ذي الحجة/30 سبتمبر
الوصف والبيان
الوصف صعب في البيان، عسير على الألسن والأقلام، لا يبرز فيه إلا من استولى على الأمد من الشعراء والكتاب. ذلكم بأن الخيال فيه والعاطفة في قيد من حقائق الموصوف ودقائقه، وحكم من الصور الحسية والمسافات؛ لهذا لقي الناس بالإكبار والإعجاب القصائد التي تجلي حقائق الموصوف وصوره ولا تخل بالبيان واضحا، والبلاغة رائعة، كقصيدة البحتري في إيوان كسرى، والأرجاني في وصف شبديز.
وينبغي للواصف أن يبدأ بالصور المحسة فيصورها في بيانه، ويجليها ببراعته ، دون أن تأسره الحقائق الماثلة ، والصور الظاهرة، فتخرجه عن الأدب نثره أو نظمه، وتجعله كمهندس يذرع أرضا، أو يصف بناء.
فإذا فرغ الواصف من تصوير ما تراه العين وتلمسه اليد بعد أن يمسه بعاطفته وخياله، ساغ له أن يخلص من قيد الحس وضيق الرؤية واللمس إلى ما تنشئه هذه المحسوسات من معان في النفس؛ انقباض أو انبساط، وسرور أو حزن، وأمل أو يأس، ومن اتعاظ بمرور الزمان، وتقلب الحدثان، وسير البشر بين النعمى والبؤسى، والسعادة والشقاء.
على الواصف أن يصور للسامع أو القارئ ما يصفه كأنه يراه، ثم يبين له ما استتر وراء الصور المرئية، والألوان الماثلة من معان لا يدركها كل راء، ولا ينفذ إليها إلا من أوتي حظا من الكتاب والشعراء. يعرفه ما يشترك فيه بصر وبصر، ثم يرقى به إلى ما لا يدركه إلا قليل من الأفكار والقلوب.
الأحد 19 ذي الحجة/1 أكتوبر
অজানা পৃষ্ঠা