وكذا أخبر الله عن اليهود بقوله: ?ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول? [المجادلة: 8]، أي: يقولون في قلوبهم: لولا يعذبنا الله بما نقول لمحمد في خبثنا إياه. ويقول الرجل لغيره: لي معك كلام أريد أن أخبرك به (2) ولأن التعري عن الكلام لو ثبت في الأزل ثم اتصف به لتغير به عما كان عليه، وهو من أمارات الحدث.
وقالت الحنابلة والكرامية: كلام الله تعالى ليس غير الحروف المؤلفة والأصوات المقطعة وأنه حال في المصاحف والألسنة، ومع ذلك هي قديمة، لأن كلام الله مسموع، لقوله تعالى: ?فأجره حتى يسمع كلام الله? [التوبة: 6]، وقد دل الدليل على أن كلامه قديم، فوجب أن تكون الحروف المسموعة قديمة، وهو باطل، لأنها تتوالى ويقع بعضها مسبوقا ببعض (1)، وكل مسبوق حادث، والآية محمولة على العبارات المحدثة كما تقدم.
فإن قيل: أخبر الله عن أمور ماضية كقوله تعالى: ?إنا أرسلنا نوحا? [نوح: 1]، وقال تعالى: ?إنا أنزلناه?، وهو إنما يصح إذا سبق المخبر عنه على الخبر، وإلا يلزم الكذب ، وإن سبق يكون الأزلي مسبوقا بغيره، وهو محال.
والجواب: أن إخبار الله تعالى لا يتعلق بزمان، لأنه أزلي، والمخبر عنه متعلق بزمان، والتغير على المخبر عنه لا على الإخبار الأزلي، كما أن الله تعالى كان عالما في الأزل بأنه سيخلق العالم، ثم لما خلقه فيما يزال كان عالما به بأنه قد خلقه، والتغير على المعلوم لا على العلم عندنا، ولا على الذات عندهم.
পৃষ্ঠা ৮৪