والابتداء. قال الجوهري: «ابتدعت الشئ اخترعته لاعلى مثال» ولا بين الانشاء والابتداء قال:
«أنشأ يفعل كذا ابتدأه» لكن الظاهر من كلام المصنف أن الاختراع هو الايجاد لا من شئ والابتداء هو الايجاد لا من علة كما ستعرفه. وقيل: الانشاء هو الايجاد الذي لم يسبق غير الموجد إلى إيجاد مثله، والابتداء هو الايجاد الذي لم يوجد الموجد قبله مثله. وقوله: «إنشاء» و «ابتداء» مفعول مطلق من باب جلست قعودا لتأكيد الفعلين. أو تمييز لنسبتهما إليه، وقوله: «بقدرته وحكمته» متعلق بالفعلين على الترتيب المذكور أو بكل واحد منهما.
(لا من شئ فيبطل الاختراع) يعني اخترع الأشياء بقدرته لا عن أصل ومثال، إذ لو أوجدها عن مثال لبطل الاختراع لأنه في إيجاد ذلك المثال يحتاج إلى مثال آخر وهكذا، وبطلان الاختراع يستلزم عدم القدرة على وجه الكمال كما يشاهد في الكاتب المحتاج في كتابته إلى أصل منتسخ فإنه بدون ذلك الأصل عاجز عن الكتابة.
(ولا لعلة فلا يصح الابتداع) يعني ابتدع الأشياء لا لعلة مادية أو لا لعلة فاعلية متوسطة بينه وبينها وإلا لبطل معنى الابتداع، لأنا ننقل الكلام إليهما فيتسلسل، أو لا لعلة غائية تعود إليه وإلا لكان ناقصا في ذاته وصفاته والناقص لا يخترع شيئا من غير حاجة إلى شئ أصلا. وقيل: لا لعلة غائية (1)، ويكون هذا إشارة إلى نفي الغرض والعلة الغائية عن فعله تعالى بالكلية كما ذهب إليه طائفة وإلا لكان ناقصا في فاعليته مستكملا فيها بذلك الغرض، والناقص لا يصلح للاختراع، أما الشرطية فلأن الغرض يجب أن يكون أصلح للفاعل من عدمه إذ ما استوى وجوده وعدمه بالنظر إليه أو كان عدمه راجحا لا يكون باعثا على الفعل بالضرورة، فكل ما كان غرضا وجب أن يكون وجوده أصلح للفاعل وأليق به وهو معنى الكمال، فإذن يكون الفاعل مستكملا به ناقصا بدونه.
أقول: الغرض عائد إلى الغير ووجوده وعدمه سواء بالنظر إليه سبحانه لتنزهه عن عود المنفعة أو المضرة إليه، وعدم كونه حينئذ باعثا على الفعل ممنوع، ودعوى الضرورة في محل النزاع لا يجدي نفعا، والمسألة محلها علم الكلام.
(خلق ما يشاء كيف شاء) يعني أنه خلق الأشياء على الوزن والتقدير والأحوال اللائقة بها لمشيئته وإرادته، لا بالايجاب، ولا بتحريك الآلة والجوارح، ولا بتوسط اللفظ والصوت لأن ذلك من
পৃষ্ঠা ২৩