خلقه ثم هدى [1] قوله تعالى: خلقه ثم هدى بيان لقوله: «أعطى» ولذا لم يأت بالواو: خلقه- أول خلقه- وهداه إلى صلاح المعاش والمعاد؛ وقال إشارة إلى الأول: اقرأ باسم ربك الذي خلق [2] والى الثاني: ارجعي إلى ربك [3] أي إلى سيدك ومالكك. وأشار إلى الأول والى العدل [4] والصلاح بقوله: وربك يخلق ما يشاء ويختار [5] . والموجودات كلها مملكة واحدة لله تعالى لارتباط بعضها ببعض وانتظامها على ترتيب منسق [6] ؛ فمدبرها ومالكها واحد والنافذ المشية لا محالة متصف بالعلم والقدرة وسائر الصفات الكمالية، وعادل لا يجور؛ إذ الجور إنما هو لنقص نفوذ المشية وقد فرض نافذا؛ فالإقرار بالربوبية، يتضمن الإقرار بالتوحيد والعدل والمعاد كما بينا بالدلائل المقنعة.
وأما المعنى الثاني، «فالرب» بهذا المعنى هو الذي يقدر على الإيجاد والإعادة والعدل والصلاح ويستغني عن كل شيء ولا يستغنى عنه، وبذلك يظهر الأمور الثلاثة [7] . قال الله جل مجده إشارة إلى الإبداء والإعادة: أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم [8] ، والخلق لا يكون الا بقدرة.
وأما القول بإمامة علي عليه السلام، فهو يتضمن للإقرار بالأئمة من أولاده عليهم السلام؛ إذ القائل بخلافته ووصايته بلا فصل، إنما يحكم بالنص، لا بالإجماع والاختيار. والنص من رسول الله صلى الله عليه وآله على إمامة علي [9] والأئمة شرع سواء وكذلك نص كل سابق على اللاحق. فصحت الأصول الخمسة بالتعبيرات الثلاث.
وأما قوله: «وأدى ما افترض عليه» فإشارة إلى الفروع التي كلها أصل واحد من الأصول وهو الإقرار بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله من عند الله مع العمل به.
[نتائج قرب الفرائض والنوافل]
وأما قوله: «أن يسكنه في جواره» فهو إشارة إلى نتيجة هذه الأصول وهو نتيجة قرب الفرائض. ومعنى «السكنى في جوار الله»، هو أن يحشر مع ملائكة الله لأنهم لم يتجاوزوا عن مقامهم الذي رتبهم الله فيه من التسبيح والتحميد؛ فهم كأنهم أيضا يؤدون فرائض الله. ومعنى «الكون مع الملائكة»، هو أن يصير مطهرا من الأدناس البشرية ونقيا من الأوساخ الجسمانية ويصير من الملائكة العرشية.
وأما نتيجة قرب النوافل، فهي أعظم من ذلك وهو «المحبوبية التامة» المستتبعة لأن يفنى العبد [10] عن كله ويبقى مع الله جل جلاله كما في الحديث القدسي:
«فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ويده ورجله» [11] .
পৃষ্ঠা ২৯