? أحدهما: أن يعلم المتقدم من الدليلين المتعارضين، ويعلم المتأخر منهما، فإنه يحكم هنالك بأن المتأخر منهما هو الناسخ للمتقدم، ومعرفة السابق منهما من المتأخر إنما تكون بالإطلاع على نزول الآيات وورود الأحاديث، وتكون أيضا بمعرفة التاريخ بأن يقال: نزل هذا في سنة كذا، وورد هذا في سنة كذا، أو يقال: بأن هذا نزل في سنة كذا وورود هذا في سنة كذا، أو يقال: بأن هذا في الغزوة الفلانية، وهذا في الغزوة الفلانية، ونحو ذلك، فإن لم يعلم المتقدم منهما من المتأخر وجب التوقف، ومنع التمسك بأحد الدليلين إلا إذا كان هنالك دليل يدل على أن أحدهما الناسخ والآخر المنسوخ، وقيل: نختار من الدليلين واحدا فنعمل به، وهو ضعيف؛ لأنه إذا لم يكن لأحدهما مرجح على الآخر؛ فليس أحدهما أولى بالتمسك به من الآخر، واختار بعضهم أن يكون التوقف مع تعارض الدليلين القطعيين، والاختيار مع الدليلين الظنيين، ووجه ذلك أن المتخير مع تعارض القطعيين لا بد وأن يصادف اختياره دليلا قاطعا يمنعه من ذلك، بخلافه مع الدليلين الظنيين، فإنه وإن صادف هنالك دليلا يمنعه من ذلك؛ فذلك الدليل إنما هو ظني، وهذا الاختيار مع التمسك بذلك الدليل ظني أيضا، والظني يعارض بالظني.
? والأمر الثاني: نص الشارع على أن الحكم أو هذه الدلالة منسوخ بكذا، وهذا أقوى طرق هذا النوع، ويليه في القوة أن يذكر ما يدل على النسخ دون التصريح بلفظ النسخ، وذلك مثل قوله تعالى: { الآن خفف الله عنكم } (التوبة: 66) الآية، وقوله عليه الصلاة والسلام: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها"، و "كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي، ألا فادخروها"، أما قول الصحابي بأن هذا الحكم منسوخ بكذا؛ فلا يقبل عند الأكثر إذا كان المنسوخ قطعيا، أما إذا كان المنسوخ ظنيا فلا خلاف في قبوله، وذهب أبو عبد الله البصري وأبو الحسن الكرخي إلى وجوب قبول قوله في ذلك مطلقا، وهو ظاهر مذهب القاضي أيضا، وحجتهم على ذلك أن النسخ ليس بقول الصحابي، وإنما هو الدليل الذي أخبر الصحابي أنه ناسخ، فقول الصحابي إنما هو معين للناسخ لا ناسخ لأنه قد علم أن أحد الدليلين المتعارضين ناسخ والآخر منسوخ، واعترض بأن قول الصحابي لما لم يصلح أن يكون ناسخا؛ فكذلك لا يصلح أن يكون دليلا معينا للناسخ.
পৃষ্ঠা ৩০০