فإن أجاب عن الجميع فهو كاذب، وإن كف([44]) عن الجميع فهو كاذب، وإن أجاب عن أصحاب الكهف وذي القرنين وأجمل الجواب عن الروح فهو نبي صادق، فأتوا إليه فسألوه، فأمره الله بما حكى في كتابه، وأمسك عن الروح، فلزمت الحجة لله -تعالى- ولرسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- الفريقين من قريش واليهود، ولا يمتنع في الحكمة أن يصرفه عن الجواب فيما يعلم الله لحصول مثل هذا الغرض العظيم، كما منع زكريا عن الكلام آية له وقد كان مقدورا له قبل ذلك.
ومنها: أنهم لما سمعوه يقرأ : {يوم يقوم الروح والملائكة صفا} [النبأ:38]، قالوا: ما هذا الروح الذي يقوم صفا والملائكة صفا؟!
فأخبرهم أنه خلق من خلق الله عظيم، فاستعظموا ذلك، فأمره الله -تعالى- أن يجيبهم عن إستعظامهم بقوله : هو {من أمر ربي} [الإسراء:85]، أي من خلق ربي، لأن الأمر قد يعبر به عن الخلق يقول: هذا أمر عظيم، كما يقول: هذا خلق عظيم، يقول: ربي قادر لذاته، فلا يمتنع عليه ما يشاء فلا تستعظموه، فليس على قدرته عظيم.
ومنها: أنهم لما سمعوا قوله تعالى: {نزل به الروح الأمين(193)} [الشعراء]، قالوا: من هذا الروح؟! وما صفته؟!
فأمره الله أن يجيبهم بقوله: {قل الروح من أمر ربي}[الإسراء:85].
ومنها: أنه لما سمى الله القرآن روحا بقوله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا}[الشورى:52]، سألوه عنه، وأمره الله -تعالى- بإضافته إليه، وأنه لم يأت به من تلقاء نفسه.
পৃষ্ঠা ৪৫