وشفع ذلك قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -صلوات الله عليه-: (المرء بأصغريه، بقلبه ولسانه)، وقد أكثر الأنبياء -صلوات الله عليهم- والأئمة -عليهم السلام-، وسائر العلماء والحكماء، وصف القلوب بالعقل، واللب، والحجا، والنهى، والبصيرة، والحجر، فعلم بذلك أن محله - أعني العقل - القلب، وأنه ما قدمنا من العلوم بما قدمنا من الدلالة، وأنها علوم أولية، من فعل القديم -سبحانه- تلزم الحجة بحصولها، وتزول بزوالها، ويقف حصولها وزوالها على اختيار الحكيم -سبحانه- وإرادته خلافا لما ذهبت إليه الفلاسفة([15]) وأهل الطبائع والنجوم، لأن الفلاسفة أثبتوا علة ونفوا الفاعل المختار، ولا يلزمنا - مع إثبات الفاعل المختار -سبحانه- الذي قام الدليل بصحة دعوانا فيه - ما يلزم الفلاسفة وأصحاب النجوم والطبع.
لأنا نقول: إنه تعالى إذا أراد زوال العقل زال مع بقاء الحياة
والقلب والدماغ، وإذا أراد وجوده وجد، ويزيله عنه حدوث النوم في مجرى العادة، ويعيده كما أبداه عند اليقظة لمن شاء، وهو ما قدمنا ذكره من العلوم، لأنه لا يمكن دعوى حصول العقل لمن عدمها وإن وجد قلبه ودماغه بالإضطرار عقلا، ولا كمال العقل لمن عدم بعضها، ويعلم باضطرار العقلاء حصول العقل لمن وجدت فيه وإن لم يحضر سواها بالبال، وذلك معلوم لكل منصف.
[الكلام على الفلاسفة وأهل النجوم]
وكلامنا على الفلاسفة ظاهر لأن معولهم على العلل الموجبة، وقد علمنا أن اختصاص العلل بالإنسان في حال يقظته ومنامه على حد واحد، والعلل لا تفتقر في إثباتها إلى سوى الإختصاص، وذلك معلوم لهم ولنا بالدليل، ومعلوم زوال العقل عن النائم فبطل أن يكون عقله لعلة موجبة.
পৃষ্ঠা ৫৫