ومات أبو بكر وأبو قحافة حي ، فسمع الأصوات فسأل ، فقيل : مات ابنك ، فقال : رزء جليل . وتوفي أبو قحافة في أيام عمر في سنة أربع عشرة للهجرة ، وعمره سبع وتسعون سنة ، وهي السنة التي توفي فيها نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم .
إن قيل : بينوا لنا ما عندكم في هذا الكلام ؟ أليس صريحه دالا على تظليم القوم ونسبتهم إلى اغتصاب الأمر ! فما قولكم في ذلك ؟ إن حكمتم عليهم بذلك فقد طعنتم فيه . وإن لم تحكموا عليهم بذلك فقد طعنتم في المتظلم المتكلم عليهم ! قيل : أما الإمامية من الشيعة فتجري هذه الألفاظ على ظواهرها ، وتذهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أمير المؤمنين عليه السلام ، وأنه غصب حقه . وأما أصحابنا رحمهم الله ، فلهم أن يقولوا : إنه لما كان أمير المؤمنين عليه السلام هو الأفضل والأحق ، وعدل عنه إلى من لا يساويه في فضل ، ولا يوازيه في جهاد وعلم ، ولا يماثله في سؤدد وشرف - ساغ إطلاق هذه الألفاظ ، وإن كان من وسم بالخلافة قبله عدلا تقيا ، وكانت بيعته بيعة صحيحة ، ألا ترى أن البلد قد يكون فيه فقيهان ؛ أحدهما أعلم من الآخر بطبقات كثيرة ، فيجعل السلطان الأنقص علما منهما قاضيا ، فيتوجد الأعلم ويتألم ، وينفث أحيانا بالشكوى ، ولا يكون ذلك طعنا في القاضي ولا تفسيقا له ، ولا حكما منه بأنه غير صالح ، بل للعدول عن الأحق والأولى ! وهذا أمر مركوز في طباع البشر ، ومجبول في أصل الغريزة والفطرة ، فأصحابنا رحمهم الله ، لما أحسنوا الظن بالصحابة - وحملوا ما وقع منهم على وجه الصواب ، وأنهم نظروا إلى مصلحة الإسلام ، وخافوا فتنة لا تقتصر على ذهاب الخلافة فقط ، بل وتفضي إلى ذهاب النبوة والملة ، فعدلوا عن الأفضل الأشرف الأحق ، إلى فاضل آخر دونه ، فعقدوا له - احتاجوا إلى تأويل هذه الألفاظ الصادرة عمن يعتقدونه في الجلالة والرفعة قريبا من منزلة النبوة ، فتأولوها بهذا التأويل ، وحملوها على التألم للعدول عن الأولى .
وليس هذا بأبعد من تأويل الإمامية قوله تعالى : ' وعصى آدم ربه فغوى ' ، وقولهم معنى عصى ، أنه عدل عن الأولى ، لأن الأمر بترك أكل الشجرة كان أمرا على سبيل الندب ، فلما تركه آدم ، كان تاركا للأفضل والأولى ، فسمي عاصيا باعتبار مخالفة الأولى ، وحملوا غوى على خاب لا على الغواية بمعنى الضلال . ومعلوم أن تأويل كلام أمير المؤمنين عليه السلام وحمله على أنه شكا من تركهم الأولى أحسن من حمل قوله تعالى : ' وعصى آدم ' على أنه ترك الأولى .
পৃষ্ঠা ৯৯