قال : وقوله : نومهم سهود ، يعني أصحاب معاوية لا ينامون طول الليل ، بل يرتبون أمره . وإن كان وصفا لأصحابه عليه السلام بالكوفة - وهو الأقرب - فالمعنى أنهم خائفون يسهرون ويبكون لقلة موافقتهم إياه ؛ وهذا شكاية منه عليه السلام لهم ، وكحلهم دموع ، أي نفاقا ، فإنه إذا تم نفاق المرء ملك عينيه .
ولقائل أن يقول : لم يجر فيما تقدم ذكر أصحابه عليه السلام ولا أصحاب معاوية ، والكلام كله في وصف أهل الجاهلية قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم . ثم لا يخفى ما في هذا التفسير من الركاكة والفجاجة ، وهو أن يريد بقوله : نومهم سهود ، أنهم طوال الليل يرتبون أمر معاوية ، لا ينامون ، وأن يريد بذلك أن أصحابه يبكون من خوف معاوية وعساكره ، أو أنهم يبكون نفاقا ، والأمر أقرب من أن يتمحل له مثل هذا .
ونحن نقول : إنه عليه السلام لم يخرج من صفة أهل الجاهلية ، وقوله : في خير دار ، يعني مكة ، وشر جيران ، يعني قريشا ، وهذا لفظ النبي صلى الله عليه وسلم حين حكى بالمدينة حالة كانت في مبدأ البعثة ، فقال : ' كنت في خير دار وشر جيران ' . ثم حكى عليه السلام ما جرى له مع عقبة بن أبي معيط ، والحديث مشهور .
وقوله : نومهم سهود وكحلهم دموع ، مثل أن يقول : جودهم بخل ، وأمنهم خوف ، أي لو استماحهم محمد عليه السلام النوم لجادوا عليه بالسهود عوضا عنه ، ولو استجداهم الكحل لكان كحلهم الذي يصلونه به الدموع .
ثم قال : بأرض عالمها ملجم ، أي من عرف صدق محمد عليه السلام وآمن به في تقية وخوف . وجاهلها مكرم ، أي من جحد نبوته وكذبه في عز ومنعة . وهذا ظاهر .
الأصل : ومنها - يعني آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هم موضع سره ، ولجأ أمره ، وعيبة علمه ، وموئل حكمه ، وكهوف كتبه ، وجبال دينه . بهم أقام انحناء ظهره ، وأذهب ارتعاد فرائصه .
الشرح : اللجأ : ما تلتجئ إليه ، كالوزر ما تعتصم منه . والموئل : ما ترجع إليه ؛ يقول : إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم - أي شأنه - ملتجئ إليهم ، وعلمه مودع عندهم ، كالثوب يودع العيبة .
وحكمه - أي شرعه - يرجع ويؤول إليهم . وكتبه - يعني القرآن والسنة - عندهم ؛ فهم كالكهوف له ، لاحتوائهم عليه : وهم جبال دينه لا يتحلحلون عن الدين ؛ أو أن الدين ثابت بوجودهم ؛ كما أن الأرض ثابتة بالجبال ، ولولا الجبال لمادت بأهلها .
والهاء في ظهره ترجع إلى الدين ، وكذلك الهاء في فرائصه ، والفرائص : جمع فريصة ، وهي اللحمة بين الجنب والكتف لا تزال ترعد من الدابة .
পৃষ্ঠা ৮৮