ولهذا يحاول جرين أن يوغر صدور الشعراء على الممثل الذي يسلمون له قدرته في التفرق بصناعته عليهم، فيقول لهم إن نجاحه على المسرح يغريه بالتطاول عليهم في صناعتهم، ويوقع في روعه أنه يضارعهم، إن لم يكن يفوقهم في نظم الشعر المرسل، وهو الشعر المأثور يومئذ لتأليف المسرحيات.
ويروي «أوبري» - الذي ذكرناه في الفصل السابق - أن شكسبير «كان حسن التمثيل جدا.» ويقول «راو
Rowe » إنه كان يمثل دور الطيف في رواية هملت، وهو من أسهل الأدوار في العصور الحديثة بعد ابتداع وسائل الإضاءة الطيفية، ولكنه من أصعب الأدوار في العصر الذي تعودوا فيه التمثيل بالنهار على مقربة من النظارة وعلى غير استعداد في أدوات العرض والإخراج التي تشبه مناظر الأجسام الآدمية بمناظر الأطياف.
ويروي أولديز
Oldys (1696-1761) في تعليقاته التي اقتبست في طبعة شكسبير سنة 1778 أنه كان يمثل دور آدم في رواية «كما تهوى» ويدخل إلى المسرح بلحية طويلة متهالكا من الضعف يوشك أن يسقط من فرط الإعياء في طريقه إلى المائدة، وقد نقلت هذه القصة عن رجل يقال إنه أخ صغير لشكسبير كان يزوره بلندن ويحضر تمثيله ولا يدري ما اسم الدور أو اسم الرواية التي تحدث عنها، ولكنها عرفت من وصفه للدور الذي رآه في إحدى زياراته، وكاد أن ينساه في شيخوخته الباكرة.
وقد ظهرت في حياة شكسبير مسرحية باسم «العودة من البرناس أو جبل الآلهة» يومئ فيها المؤلف إلى الزميل الذي كان يبز أساطين القلم في تصوير الأدوار وتمثيلها؛ لأنهم يرسلون أدوارهم مشبعة برائحة المكتبة ويرسلها «الزميل الممثل» كما خلقها الله في غير كلفة.
ولا يبدو أن شكسبير قد تخصص في فن من فنون التمثيل ذلك التخصص الذي يغلب على صاحبه فيقصره على طائفة من الأدوار لا يصلح لغيرها، فلم يشتهر كما اشتهر بعض زملائه بالأدوار الهزلية أو أدوار الفواجع ولم يضارع ملوك الفكاهة أو ملوك الفاجعة من أولئك الزملاء الذين شاركوه وشاركهم في فرقة واحدة، ولكنه كان - على ما يظهر - ينتقي أدوار الشخصيات حيث كانت في روايات الفكاهة أو روايات الفاجعة، فلم يحسب في طائفة خاصة من طوائف الممثلين، ولم تكن تلك الطوائف مجهولة بأقسامها وفروعها، كما يفهم من تقديم الممثلين إلى «هملت» على حسب أدوارهم التي يتقنونها خالصة في بابها، أو مشتركة بين سائر الأبواب. •••
وإذا كان المؤلف الأوحد لم يتبوأ مثل هذه المكانة على خشبة المسرح فلا يزال كثيرا على المبتدئ أن يتقن ما أتقنه من صناعة التمثيل في ثلاث سنوات أو أربع على فرض اشتغاله بالتمثيل والتأليف معا منذ هجرته إلى لندن إلى السنة التي أغلقت بها المسارح (1593) لاتقاء عدوى الطاعون. وهو أمر مشكوك فيه؛ لأن قبول المبتدئ في المسرح يقتضي قبل ذلك على الأقل أن يلوذ بأحد النبلاء ليحصل على تزكيته وأن يبتدئ عمله فترة من الوقت بمناداة الممثلين في أدوارهم على حسب عاداتهم في تدريب الناشئين بمسارح تلك الأيام.
وقد لاح لبعض المترجمين أنها مفارقة تستدعي بحثا وتوضيحا، واعتقدوا أن خبرة شكسبير بالمسرح بدأت قبل هجرته إلى لندن بمشاهدة التمثيل في قريته عن كثب، وتتبع فريب
Fripp
অজানা পৃষ্ঠা