ولكن حين انحنت الأخت أورسولا عليها لتقبلها، رأت فرانسي قليلا من الشعر الخفيف على شفتها العليا وذقنها، فروعت فرانسي لذلك؛ إذ ظنت أن الشعر ينمو على وجوه الراهبات اللاتي يدخلن الدير، وهن في نضارة الشباب، واستقر رأي فرانسي على استنكار الرهبنة.
وكانت إيفي ابنة روملي الثالثة، قد تزوجت هي أيضا في سن مبكرة، تزوجت ويلي فليتمان، وهو رجل وسيم، أسود الشعر، له شارب حريري، وعينان صافيتان كالإيطاليين، واعتقدت فرانسي أن اسمه مضحك للغاية، فكانت تضحك بينها وبين نفسها في كل مرة تفكر في ذلك الأمر.
وفليتمان رجل لا يحمد من سجاياه إلا القليل ، ومع ذلك لم يكن إمعة بمعنى الكلمة ، وإنما هو رجل ضعيف لا يكف عن النحيب، ويعزف على القيثارة، وكان في نساء روملي هؤلاء ضعف تجاه أي رجل يبشر بأنه سوف يصبح مبدعا أو عازفا، وأي نوع من الموهبة في الموسيقى أو الفن أو كتابة القصص يعد شيئا رائعا في نظرهن، يثير في نفوسهن الشعور بأن واجبهن تجاه هذه المواهب هو رعايتها.
وكانت إيفي هي المرأة الرقيقة الحاشية الآسرة، تسكن شقة أرضية رخيصة على مشارف حي مهذب كل التهذيب، وتقبل على الدرس ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
وأرادت أن تصبح شيئا مذكورا وأرادت لأطفالها أن يحصلوا على ميزات لم تنعم هي بها قط، وكان لها ثلاثة أطفال: صبي سمي باسم أبيه، وبنت اسمها بلوصوم، وصبي آخر اسمه بول جونز، وخطت خطواتها الأولى نحو هذا التهذيب، بأن أخرجت أطفالها من مدرسة الأحد الكاثوليكية، وأدخلتهم مدرسة الأحد الأسقفية، ودخل في روعها أن البروتستانت أكثر تهذيبا من الكاثوليك.
وأخذت إيفي التي عشقت المواهب الموسيقية وأحست أنها محرومة منها، تبحث عنها في نهم بين أطفالها، وداعبها الأمل بأن بلوصوم سوف تحب الغناء، ويحب بول أن يكون عازفا على الكمان، وأن يلعب الصغير على البيانو. على أن الأطفال خلوا من أي ميل للموسيقى، وأخذت إيفي الأمر بالشدة! ورأت أن تحمل أطفالها على حب الموسيقى، رغبوا في ذلك أم لم يرغبوا، وإذا لم يكونوا ذوي مواهب، فإنها خليقة بأن تغرس المواهب فيهم بالدأب على المران كل ساعة، واشترت كمانا قديما لبول جونز، وفاوضت رجلا يسمي نفسه الأستاذ أليجرتو ليعطيه دروسا نظير خمسين سنتا في الساعة. وقد علم هذا الأستاذ فليتمان الصغير مقطوعات مخيفة، وأعطاه في نهاية السنة قطعة اسمها «النزوة»، ورأت إيفي أنه شيء رائع أن يعطي الأستاذ فليتمان مقطوعة ليعزفها، وهذا أفضل من أن يعزف السلالم الموسيقية طول الوقت، أجل أفضل قليلا بلا شك، وهكذا أصبحت إيفي أكثر طموحا.
وقالت لزوجها: ما دمنا قد حصلنا على الكمان لبول جونز، فإن الصغيرة بلوصوم تستطيع أن تتلقى هي الأخرى دروسا، ويستطيع كلاهما أن يتمرن على الكمان نفسه.
وأجاب زوجها في مرارة: أملي أن يكون ذلك في أوقات مختلفة.
وأجابت في سخط: كما تشاء.
وهكذا أصبحت بلوصوم تطبق كل أسبوع يدها في تردد على خمسين سنتا أخرى، لتذهب إلى مدرس الكمان أيضا.
অজানা পৃষ্ঠা