وأخيرا قابلت سيسي رجلا يريد أن يتزوجها، ولم يعلم أحد من أسرتها اسمه الحقيقي؛ لأنها بدأت من فورها تطلق عليه اسم جون، وتم زواجها الثاني بكل بساطة، وكان الطلاق يستلزم إجراءات معقدة تكلفها مالا كثيرا، كما أنها كاثوليكية لا تؤمن بالطلاق، وقد تزوجت جيم في دار البلدية على يد كاتب، وتعللت بأن هذه الدار لم تكن كنيسة، وأن زواجها بهذه الطريقة لم يكن زواجا صحيحا، فلماذا إذن تدعه يقف حجر عثرة في طريقها؟ وتزوجت مرة أخرى في دار البلدية على يد كاتب آخر، مستخدمة الاسم الذي اكتسبته من زواجها الأول، دون أن تذكر شيئا عن ذلك الزواج.
وحزنت أمها ماري؛ لأن سيسي لم تتزوج في الكنيسة، وزود هذا الزواج الثاني توماس بأداة جديدة، يعذب بها زوجته، كان يقول لها في كثير من الأحيان إنه سيبلغ الشرطة ليقبضوا على سيسي بتهمة الجمع بين زوجين، ولكنه قبل أن ينفذ ذلك كانت سيسي قد عاشت مع زوجها الثاني جون أربع سنين وأنجبت أربعة أطفال، ولدوا جميعا موتى، وقررت أن هذا الزوج الثاني لم يكن رجلها أيضا.
وأنهت زواجها بكل بساطة بأن أنبأت زوجها البروتستانتي بأنه ما دامت الكنيسة الكاثوليكية لم تعترف بزواجها، فإنها لا تعترف به أيضا، وأعلنت حينئذ أنها حرة.
واستغل جون الأمر لمصلحته، وظل يحب سيسي ويشعر معها بسعادة كبيرة ولكنها كانت كالزئبق، وبالرغم من صراحتها المخيفة وسذاجتها الغالبة، فقد كان لا يعرف عنها شيئا حقا، ومل الحياة مع امرأة كاللغز الغامض؛ ولهذا لم يحزن كثيرا على افتراقه عنها.
وكانت سيسي قد أنجبت حيث بلغت الرابعة والعشرين ثمانية أطفال لم يعش واحد منهم، فانتهى رأيها إلى أن الإله يعارض زواجها، فالتحقت بعمل في مصنع للمطاط حيث أنبأت الجميع بأنها عانس (الأمر الذي لم يصدقه أحد) وذهبت لتعيش في بيت أمها.
وأخذ حب سيسي للأطفال يزداد قوة كلما ولد لها طفل ميت، وكانت تصيبها نوبات من الكآبة تشعر فيها أنها خليقة بأن تصاب بالجنون إن لم تجد طفلا تمنحه حبها، وعاشت تفيء من أمومتها المكبوتة على الرجال الذين تقضي الليل معهم، وعلى أختيها، إيفي وكاتي وأطفالهما، وكانت فرانسي تحبها إلى درجة العبادة، وسمعت همسا بأن سيسي امرأة سيئة الخلق، ولكن حبها لها ظل عارما لم ينل منه هذا الهمس في شيء، وحاولت إيفي وكاتي أن تثورا على أختهما الآثمة الضالة، ولكنها راحت تعاملهما أطيب معاملة، فلم تستطيعا أن تقفا منها موقف العداء.
وما إن بلغت فرانسي الحادية عشرة من عمرها حتى تزوجت سيسي للمرة الثالثة في دار البلدية، وكان زوجها جون الثالث يعمل في دار المجلات، وعن طريقه كانت فرانسي تحصل كل شهر على تلك المجلات الأنيقة الجديدة، وتأمل أن يستمر الزواج الثالث من أجل هذه المجلات.
أما إليزا، وهي الابنة الثانية لماري وتوماس، فقد كانت خالية من الجمال والحرارة اللذين امتازت بهما أخواتها الثلاث، وكانت لا تملك جمالا ولا ذكاء ولا تحفل بالحياة، وأرادت ماري أن تهب إحدى بناتها للكنيسة، فقررت أن تكون إليزا هي تلك الابنة، ودخلت إليزا الدير وهي في السادسة عشرة من عمرها، واختارت طائفة من الراهبات عرفن بالتشدد والتزمت، فلم يكن يسمح لها قط بمغادرة باب الدير إلا في حالة وفاة والديها، واتخذت لنفسها اسم أورسولا، وأصبحت الأخت أورسولا في نظر فرانسي أسطورة من الأساطير لا سند لها من الواقع.
ورأتها فرانسي مرة واحدة حين خرجت من الدير لتحضر جنازة توماس روملي، وكانت فرانسي في التاسعة من عمرها قد فرغت لتوها من قربانها الأول المقدس، ووهبت نفسها كلية للكنيسة حتى ظنت أنها سوف تود أن تصبح راهبة حينما يشتد عودها.
وانتظرت قدوم الأخت أورسولا في شوق ولهفة، وهي تقول بينها وبين نفسها: ما أروع التفكير في هذا! خالة راهبة! ما أعظمه من شرف!
অজানা পৃষ্ঠা