عندما يطوى الليل ستائره، ويدركنا الفجر بلا رحمة؛ فلا مفر من الرجوع إلى الحجرة الكئيبة، حيث لا نغمة ولا نشوة. ستطاردك عينان حزينتان وجدار صخري، ثم ترن أوتار الحكمة الكالحة باعثة كلمات تقريع جامدة خشنة كغبار الخماسين. ليكن ردك حازما قاصما كنفورك: لا تزعجيني.
ولتصم أذنيك عن أي كلام. - قلت: لا تزعجيني، هكذا أكون، اليوم وغدا وكل يوم. - انزلي على حكم الأمر الواقع، وأبعدي البنت عن مجال نزاعنا. - لا جدوى من العناد، وسوف أفعل ما يحلو لي. - ولا تتراجع إذا تساءلت عن علة تغيرك؟ - ظني كما تشائين، الملل كره إلي الاعتذار.
وفتح الباب وخرجت وردة كأبهى ما يكون. - كيف تراني يا عزيز القلب؟
رنا إليها طويلا في انبهار، ثم غمغم: دعيني أكون جملة لم يسبق ذكرها على لسان.
10
جلست قبالته في الشرفة، جلسة يوم العطلة، فقال لنفسه بعدم ارتياح: حقا لم أرها منذ أسبوع كامل! وألقت الشمس على حجرها وساقيها فيضا من شعاعها الذي يبرق لألاء فوق سطح النيل. ومن عجب أنه لم يعد يذكر كثيرا عن طفولتها، وهل كانت عفريتة كجميلة؟ ولكنها اليوم فتاة جميلة، ذكية، مجتهدة، وشاعرة، ومثال للأناقة. وأما فكرة أنها تكرر صورة قديمة لأمها؛ فلتطردها عن ذهنك. - أنت جادة أكثر مما ينبغي لشاعرة.
وصاحت جميلة، وهي تقف على عتبة الشرفة متحدية: شاعرة!
هددها بأصبع، ثم عاد إلى بثينة التي توجس وراء مظهرها الجاد زعلا أو احتجاجا. - وأنت أنحف مما يجوز، كما أن أختك أسمن مما يجوز، ماذا تأكلين؟ وماذا تأكل؟
وصاحت جميلة: تأكل!
وجاءت أم محمد فحملتها رغم المقاومة وذهبت. وقالت بثينة: ماما مريضة. - ماما بخير، حدثيني عن نفسك. - لا شيء هام، ولكن ماما ليست بخير.
অজানা পৃষ্ঠা