عين زمزم كيف ظهرت؟
لقد غادر « إبراهيم » عليه السلام أرض مكة تاركا زوجته وولده « إسماعيل » بعيون دامعة ، وقلب يملأوه الرضا بقضاء الله والامل بلطفه وعنايته.
فلم تمض مدة إلا ونفد ما ترك عندهما من طعام وشراب ، وجف اللبن في ثديي « هاجر » ، وتدهورت أحوال الرضيع « إسماعيل » ، وكانت دموع الام الحزينة تنحدر على حجره ، وهي تشاهد حال وليدها الذي قد أخذ العطش والجوع منه مأخذا.
فانطلقت من مكانها فجأة تبحث عن الماء حتى وصلت إلى جبل « الصفا » فرأت من بعيد منظر ماء عند جبل « مروة » ، فاسرعت إليه مهرولة ، غيران الذي رأته وظنته ماء لم يكن الا السراب الخادع ، فزادها ذلك جزعا وحزنا على وليدها مما جعلها تكرر الذهاب والاياب إلى الصفا والمروة أملا في أن تجد الماء ولكن بعد هذا السعي المتكرر ، والذهاب والاياب المتعدد بين الصفا والمروة عادت إلى وليدها قانطة يائسة.
كانت أنفاس الرضيع الظامئ ودقات قلبه الصغير قد تباطأت بل واشرفت على النهاية ، ولم يعد ذلك الرضيع الظامئ قادرا على البكاء ولا حتى على الانين.
ولكن في مثل هذه اللحظة الحرجة الصعبة استجاب الله دعاء خليله وحبيبه « إبراهيم » ، إذ لاحظت هاجر الماء الزلال وهو ينبع من تحت اقدام « اسماعيل ».
فسرت تلك الام المضطربة التي كانت تلاحظ وليدها وهو يقضي اللحظات الاخيرة من حياته ، وكانت على يقين بانه سرعان ما يموت عطشا ، وجهدا سرورا عظيما بمنظر الماء ، وبرق في عينيها بريق الحياة ، بعد ان اظلمت الدنيا في عينيها قبل دقائق ، فشربت من ذلك الماء العذب ، وسقت منه رضيعها الظامئ ، وتقشعت بلطف الله وعنايته وبما بعثه من نسيم الرحمة الربانية كل غيوم اليأس ، وسحب القنوط التي تلبدت وخيمت على حياتها.
পৃষ্ঠা ১৪৩