الذاهبة من الشام إلى اليمن ، والعائدة منها إلى الشام ، بعض الوقت ثم ترحل سريعا ، وأما في بقية أوقات السنة فكانت كغيرها من أراضي الحجاز صحراء شديدة الحرارة ، خالية عن أي ساكن مقيم.
لقد كانت الاقامة في مثل تلك الصحراء الموحشة عملية لا تطاق بالنسبة لأمرأة عاشت في ديار العمالقة والفت حياتهم وحضارتهم ، وترفهم وبذخهم.
فالحرارة اللاهبة والرياح الحارقة في تلك الصحراء كانت تجسد شبح الموت الرهيب امام ابصار المقيمين.
وإبراهيم نفسه قد انتابته كذلك حالة من التفكير والدهشة لهذا الامر ، ولهذا فإنه فيما كان عازما على ترك زوجته « هاجر » وولده « إسماعيل » في ذلك الواد قال لزوجته « هاجر » وعيناه تدمعان : « إن الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان هو الذي يكفيكم ».
ثم قال في ضراعة خاصة : « رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر » (1).
وعندما انحدر من ذلك الجانب من الجبل التفت اليهما وقال داعيا : « ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون » (2).
إن هذا السفرة والهجرة وإن كانت في ظاهرها امرا صعبا ، وعملية لا تطاق ، إلا أن نتائجها الكبرى التي ظهرت في ما بعد أوضحت وبينت أهمية هذا العمل ، لأن بناء الكعبة ، وتأسيس تلك القاعدة العظمى لأهل التوحيد ، ورفع راية التوحيد في تلك الربوع ، وخلق نواة نهضة ، عميقة ، دينية ، انبثقت على يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشعت من تلك الديار إلى أنحاء العالم ، كل ذلك كان من ثمار تلك الهجرة .
পৃষ্ঠা ১৪২