وكان المرض الآن قد بلغ غايته، وكان المهدي راقدا على عنجريب وحوله الخلفاء وقرابته وحمد واد سليمان ومحمد واد بشير - أحد كبار موظفي بيت المال ووكيل بيت المهدي - وعثمان واد أحمد والسيد المكي - وهو شيخ من شيوخ الدين في كردوفان - وبعض من كبار أنصاره الذين سمح لهم بالدخول في غرفة مرضه.
وكان المهدي يغيب عن وعيه من وقت لآخر، ولما شعر بأن آخرته قد قربت قال للذين حوله: «إن الخليفة عبد الله هو الخليفة الصادق، وقد عينه النبي للخلافة بعدي، فهو مني وأنا منه، وكما أطعتموني وأنفذتم أوامري كذلك افعلوا معه، الله يرحمنا.»
ثم جمع ما فيه من قوة وكرر عدة مرات عبارة: «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، ووضع يديه مشبوكتين على صدره ومد ساقيه وأسلم روحه.
وقبل أن يبرد دمه أقسم أنصار المهدي يمين الولاء للخليفة عبد الله، وكان أول من بايعه سيد المكي، ثم عقب ذلك الخليفتان الآخران وتبعهم جميع الموجودين. ولم يكن من الممكن أن يحتفظ بوفاة المهدي سرا لا يذاع بين الجمهور، ولكن أمر الجميع بألا يبكوا أو ينوحوا، وطلب من الجميع مبايعة الخليفة. وكانت ستنا عائشة أم المؤمنين كبرى زوجات المهدي في غرفة وفاته قاعدة متلففة في إحدى الزوايا، فلما مات خرجت من الغرفة لكي تخبر سائر النساء بوفاة مولاها وزوجها، وكان عليها أن تعزيهن وتمنعهن من النوح والندب. وكان معظمهن قد فرحن في قلوبهن بوفاة المهدي الذي جلب الخراب على البلاد، والذي دعاه الله إلى محكمته العليا قبل أن يتمتع بثمار انتصاره.
ولكن على الرغم من الأوامر القاضية بمنع النوح والندب، ارتفعت الأصوات من كل بيت، وقيل إن المهدي مات باختياره لأنه في شوق شديد لرؤية الله.
وشرع بعض الموجودين في غرفة المهدي بغسل الجثة ولفها في قماش من الكتان، وأخذ البعض في حفر حفرة عميقة في الغرفة التي مات فيها، وبعد ساعتين وضعوا الجثة في الحفرة وبنوا فوقها بالطوب، ثم طمروا الحفرة بالتراب وصبوا عليه ماء. ولما انتهوا من ذلك رفعوا أيديهم وتلوا عليه صلاة الموتى، وخرجوا من الغرفة وهدأ روع الجماهير المتكأكئة حول المنزل.
وكنا نحن الملازمين أول من دعي إلى الخليفة الذي صار يسمى بعد ذلك خليفة المهدي، فأقسمنا له يمين الولاء، وأمرنا بأن ننقل منبر المهدي إلى مدخل المسجد وأن نخبر الجمهور بأنه سيخطبهم الآن، فلما أخبرناه بأننا قد أنفذنا أوامره خرج من غرفة المهدي وذهب إلى المسجد واعتلى المنبر لأول مرة باعتباره حاكما للبلاد.
وكان يتفزر من الهياج، وعبراته تنحدر على خديه، ثم قال بصوت عال: «يا أصدقاء المهدي، إنه لا مرد لقضاء الله، لقد غادرنا المهدي إلى الجنة حيث يجد ملذات النعيم، وعلينا نحن أن نتبع تعاليمه، وأن نتعاون وأن نتساند كما يتساند بناء البيت. وهذا العالم فان، فلا تنحرفوا عن طريق المهدي، واغتبطوا بالشطر الحسن الذي معكم من أنصاره وأتباعه، وأنتم أنصاره وأنا خليفته، فأقسموا الآن إلي يمين الولاء.»
ولما انتهى من هذه الخطبة القصيرة شرع الحاضرون في المبايعة، وكانت صيغتها «بايعنا الله ورسوله ومهدينا وبايعناك على توحيد الله ... إلخ»
وكانت كل طائفة تبايع تخرج وتأتي أخرى، وكان المجتمعون كثيرين حتى كانوا في خطر الموت من الزحام، واستمرت المبايعة إلى المساء. وكان الخليفة قد سكت عن البكاء وأخذت أمارات الفرح ترتسم على وجهه عندما رأى هذه الجماهير العديدة تزدحم لمبايعته.
অজানা পৃষ্ঠা