সুদানে তরবারি এবং আগুন

সালাতিন বাশা d. 1351 AH
147

সুদানে তরবারি এবং আগুন

السيف والنار في السودان

জনগুলি

وأذكر الآن تشارلس نيوفلد، الذي قضى بضع سنوات في ذلك السعير السوداني معرضا للمرض والعسف والاضطهاد؛ فقد كان من المتوقع موت هذا الرجل بين آن وآخر، ولكنه بقي على قيد الحياة بواسطة المساعدات التي وصلت إليه بواسطة خادمه الأسود الأمين الذي أحضره معه من مصر، وإلى جانب تلك المساعدة كان الأوروبيون المقيمون في أم درمان يقدمون ما يستطيعون من عون إلى هذا المسجون الأوروبي البائس.

فضل تشارلس البقاء على قيد الحياة رغم كونه كان راسفا تحت سلاسل ثقيلة حول رقبته وقدميه. ومما نذكره عنه أنه رفض في ليلة من الليالي البقاء في غرفة حجرية، وصفها بأنها «آخر مرحلة مؤدية إلى نار الجحيم»، فجوزي على تعنته هذا بالجلد بسياط السودان الموجعة، ومع ذلك تحمل آلام الجلد بصبر مدهش، فلم يشك لحظة واحدة حتى اضطر الجلادان إلى سؤاله في دهشة وذهول: «ما الذي يدعوك إلى عدم التذمر؟ وما الذي يمنعك عن طلب العفو؟» فأجابهما نيوفلد بجرأة غريبة «وقلب حديد» نالت احترام وإعجاب السجانين: «هذا التذمر وذلك الطلب الذي يذل يصدران من الآخرين، أما أنا فلن أذل نفسي بشيء من ذلك.»

بعد أن قضى هذا البائس ثلاث سنوات في السجن، خففت السلاسل التي كان يرسف فيها، ثم نقل إلى الخرطوم ولم يبق من الأغلال إلا ما كان حول الساقين، وعندما وصل إلى سجن الخرطوم أمر بتكرير وتنقية ملح البارود المعد لعمل البارود، وكان ذلك التكرير تحت مراقبة واد حامدين الله. وفي ذلك الحين تحسنت حالته كثيرا، وقد كان يمنح مكافأة شهرية ضئيلة مقابل هذا العمل، فكانت تلك المكافأة مساعدة له في الحصول على حاجاته الضرورية للحياة.

كان معمل تكرير ملح البارود مجاورا لبناء الكنيسة التابعة للإرسالية الدينية في الخرطوم، فساعد ذلك التوفيق زميلنا تشارلس على النجاة من مخالب الضنك والتعب؛ حيث كان مسموحا له (نيوفلد) بعد الانتهاء من عمل النهار الشاق المؤلم أن يقضي ليلة في حدائق كنيسة الإرسالية، وليس من شك في أن أفكاره حينئذ كانت متجهة إلى أسرته في إنجلترا، ولا ريب في أنه كان فيما بينه وبين نفسه يلعن ذلك اليوم الأسود الذي أغراه هواه فيه بترك مصر إلى السودان؛ حيث وقع في قبضة الخليفة عبد الله.

كان من العسير جدا على هذا الرجل أن يذوق الموت ويلقى حتفه دون إثم ارتكبه، وقد يكون من توفيق هذا الرجل في وقت قريب أن يجتمع بأصدقائه وأقربائه الذين تاقوا إلى رؤيته حرا طليقا من الأسر المفزع، ولئن كان من اليسير وجود العدد الكبير من الأصدقاء - الذين يريدون مساعدة تشارلس - في أوروبا، فإن الحقيقة هي أن تخلص هذا الأسير البائس من يد الخليفة العاتي لا يتم إلا بعون الله وحده.

إن قلبي ليتوجع وليكاد يتمزق حزنا وألما كلما شرعت في كتابة شيء عما يقاسيه المسجونون في سجن (سيد) أم درمان، ورغم ذلك سأذكر شيئا عن الرجل البائس الشيخ خليل، الذي أرسل من مصر ومعه رسائل خاصة إلى الخليفة عبد الله فيها بيان عن عدد أسماء الأسرى الذين سلموا في واقعة توشكى، والذين عوملوا معاملة حسنة. لم يكن الخليفة يجهلها كما أنه لم يجهل قرب الإفراج عنهم، وقد ورد في إحدى الرسائل المذكورة طلب من أولي الأمر الحربيين في مصر تسليم سيف ومداليات الجنرال غوردون للشيخ خليل؛ لأن أصحاب الشأن في مصر لم يشكوا في أن الأشياء المذكورة موجودة عند عبد الله.

كان يرافق خليلا هذا شخص مصري اسمه بشارة، فبعد أن أطلع سكرتير الخليفة الخاص على الرسائل وقرأها لعبد الله، أمر الأخير بعودة بشارة لمصر دون إجابة على الرسائل. أما خليل البائس - وهو مصري المولد - فقد قيدت يداه ورجلاه بالسلاسل الثقيلة بعد أن اتهمه الخليفة بتهمة الجاسوسية.

أسيئت معاملة خليل إلى أقصى حدود الإساءة، وحرم من الغذاء الكافي، فأصبح هزيل الجسم إلى حد لم يستطع معه القيام من الأرض. وقد بالغ معذبوه في إهانته حتى إنهم لم يسمحوا له بماء للشرب. وأخيرا نفذ قضاء الله وحكم الموت الهادئ في خليل، فتلقاه بسرور وهو على ثقة من أن موته أعظم منقذ له من آلامه المبرحة.

نتكلم الآن عن بائس آخر اسمه صالح، وهو تاجر يهودي من تونس، فقد جاء هذا البائس إلى كسلا بإذن من أبي حرجة، فلم يكد يصل إليها (كسلا) حتى صدر أمر الخليفة باعتقاله وترحيله إلى أم درمان؛ حيث ظل معذبا في السعير (السجن) لغاية كتابة هذه السطور (عام 1897)، وهو عبارة عن هيكل عظمي لا أمل له في الحياة إلا بمساعدة زملائه ورجال فرقته، الذين اضطروا إلى اعتناق الدين الإسلامي للتمكن من إيصال كميات قليلة من الطعام إلى صالح هذا.

بين المسجونين اثنان من العرب العبابدة اتهما بحمل رسائل إلى الأوروبيين في أم درمان، فاعتقلا وماتا في السجن بعد أن هلكا جوعا، فليس بدعا أن يضطرب الأوروبيون المقيمون في أم درمان إزاء سوء معاملة الخليفة معهم من ناحية غير مباشرة، ولكن من حسن الحظ اتضح أن الرسائل واردة إلى رجل قبطي من أقربائه في مصر.

অজানা পৃষ্ঠা