حسبهم الله، أقلقوا النيام في مضاجعهم، وأتعبوا الرائحين والغادين في طرقاتهم، ودوت صيحاتهم في الآذان حتى كادت تصمها، أعولوا ثم أعولوا، ليحي الدستور ليحي فلان وليسقط فلان، أمن أجل هذا كانوا يريدون الدستور؟
قام بالأمس أحد قراء سورة يوسف فأصدر جريدة دينية جديدة ليجعلها إحدى البلايا على الدين وبنيه. ماذا تريد بطبلك يا هذا المطبل، أنبي أنت أم إمام أم فقيه أم سياسي أم أديب أم ثرثارة؟ تريد النعيق على أطلال بلد لست من أهله. حسبك واحدة أرتنا نفثاتك. تلك نفثات ستفر غدا منها وستظل هي على أثرك، وإن الله لبالمرصاد.
قف بين ربوع مصر وأنشد:
وإني قد جنيت عليك حربا
تغص الشيخ بالماء القراح
مذكرة متى ما يصح منها
فتى شبت لآخر غير صاح
بين العظاة وبين قلوب الطغاة سدود لا تخرقها إلا صدور الحوادث، فإذا كان ما ابتغته الغواية تراجعت القلوب نهاها، ولكن بعد أن يفور التنور ويتفاقم صدع البلاء.
رأيت بعض الجرائد ثائرة على الأمة القبطية. فأوجست خيفة. وقد حدثتني النفس أن أصيح بها مسترجعا. ثم علمت أن تلك صيحة يرن صداها ولا تصل إلى سمع من تلك المسامع الصم. فآثرت السكوت وفي العين قذى وفي الحلق شجا، وهذا الخطب الذي نكبره اليوم لإحدى عواقب تلك الجهالات.
إثم هذه الأمة على «رجال صحافتها» يأتيهم الدعي من الأدعياء وفي يده ورقة بها أبيات، لو قرأها أكبر شاعر لمحا الله من سجيته عمل الشعر، أو بالمقالة وليس بها شيء يصح أن يقال، ثم هم ينشرون له كلامه ناعتين إياه بالشاعر المفلق والكاتب البارع والفاضل الأديب، حتى لقد أصبح البقالون وماسحو الأحذية شعراء أدباء كتابا فضلاء، وباتت دفة السياسة المصرية بأيدي قوم عجز احتلال الإنكليز أكثر من ربع قرن أن ينعل أقدامهم الحافية. أولئك الذين يتصايحون قائلين ليحي الدستور، أولئك الذين يتخذون من الدين سهاما يدمون بها الأفئدة، ضالين ومضلين وبئست الخلتان.
অজানা পৃষ্ঠা