نعود الآن إلى الظرف الذي وجدت فيه جريدة «الزوراء».
بعد أن انتشرت في منتصف القرن التاسع عشر في أوروبا الفكرة الجديدة التي غرست بذورها الثورة الفرنسية وإعلان حقوق الإنسان انبثق في الأفق العربي شعاع من حياة، بفضل تقدم العلوم واحتكاك الشرق بالغرب وتوارد البعوث التعليمية الأجنبية، فانزاحت بعض الشيء الغياهب التي نشرت الخمول على البلاد العثمانية وأخذت الفوضى في التبدد، وتزعزع جبروت الإقطاع وأخذت العصابات تنفك وتضعضعت سيطرة الجهل والخرافة غداة تغلب العقل المخترع على الحواجز الطبيعية.
وقد نال العراق نصيب من بادرة اليقظة الشرقية العربية في هذا الطور، بالرغم مما كان يضطرم فيه من الانتفاضات المحلية والغارات الأجنبية، ومطامع الحاكمين بأمرهم من باشوات بغداد، وموقفهم من مرجعهم حكومة إستانبول. وازدادت أهمية العراق في الوضع الدولي عندما التفت ساسة أوروبا إليه، بعد أن اتضح مركزه في طريق الهند، ونبتت في الرءوس مشروعات السكك الحديدية التي ربطت بين إنجلترا والهند، مارة بوادي الفرات. ولمع اسمه في العالم الحديث باللجان الدولية التي وفدت عليه لحسم مشاكل الحدود العراقية-الإيرانية، وعند توسع المبادلة التجارية بين العراق وبين العالم الخارجي، ونشوء المواصلات النهرية في دجلة والفرات، وشيوع الاتصال التليفوني، وتطلع الباحثين والمنقبين إلى الكنوز الأثرية المطمورة في أطلال بابل وآشور ومخلفات عصر العرب الذهبي، وحدوث التمثيل الأجنبي، ووجود «المقيم الإنجليزي» وما يحيطه من امتيازات عريضة الظل.
في هذا المعترك هب نسيم الإصلاح على السلطنة العثمانية، فقامت تريد تنظيم الإدارة وتقسيم الولايات، وإحلال الموظفين الأكفاء محل الباشوات القدماء من الولاة الطغاة، وظهرت الرغبة في تدريب الجيش تدريبا فنيا وتطبيق التجنيد الإلزامي.
الوالي مدحت باشا مؤسس الصحافة في العراق
وفي هذا الظرف عين أبو الأحرار مدحت باشا واليا على بغداد فجاءها في نيسان (أبريل) سنة 1869، فنظر المفكرون إلى تاريخ الرجل وشخصيته ودققوا في سلوكه في منصبه الجديد، فاستقر في روعهم أنه سيفتح صفحة جديدة في البلاد من الإصلاح والتجديد.
وقبل أن يقدم هذا الحاكم المصلح إلى العراق أقام مدة في العاصمة القسطنطينية يدرس ويتهيأ، وصحب معه جماعة من رجال الاختصاص لتشغيل جهاز حكومته الجديدة في أرض الرافدين. وقد وجدنا بينهم مدير مطبعة وصحفيا ومهندسا لآلات المطابع. فلم يلبث بعد أيام من وصوله أن أسس «مطبعة الولاية»، وهي أول مطبعة آلية في بغداد جلبها من باريس سنة 1869 فور تقلده زمام الأمر.
وبصدد تأسيس هذه المطبعة، يرى يعقوب سركيس
1 - الباحث العراقي الضليع - أن أول مطبعة آلية تدار بالبخار وجدت في بغداد «دار طباعة دار السلام» لصاحبها محمد باقر التفليسي، حيث طبع كتاب «دوحة الوزراء» في مطلع جمادى الأولى سنة 1246ه، ولكنه يعود فيتشكك إذا كانت مطبعة التفليسي قد أنشئت في تبريز، ثم طبع على الكتاب اسم بغداد تقربا للوالي في ذلك العهد أم أنها نصبت في بغداد.
وقد جدد مطبعة الولاية في مدينة الخلفاء حازم بك والي بغداد سنة 1905.
অজানা পৃষ্ঠা