يا ممثل الدولة الإنكليزية، إن اعترافك بقوة الأمة العراقية يناقض استدراكك العليل بقولك: «ولكن عددهم قليل وليس لهم من الدراهم إلا القليل.» فيا أيها الحاكم إن الأمة قد اعتمدت في دفاعها على ثلاثة أركان: القومية والوطنية والشريعة الإسلامية، فعندها الثبات إزاء اختراع الآلات، والعناية الإلهية بدل المساعدة الخارجية، والقناعة عوض الزراعة، فالأمة صابرة على النزال حتى تنزلوا على حكم الحق، مستمرة على النضال حتى تسترد الحاكمية. أما قولك: «ها قد بذل العرب حتى الآن كل ما في وسعهم من الجهد، ولا يمكنهم أن يأتوا بعمل فوق ما عملوا.» فيا حضرة الحاكم، إن العرب لم يبذلوا إلى الآن عشر ما أعدوه، ولم يعملوا بعض ما يريدون أن يعملوه، فقوتهم في زيادة وأعمالهم إلى نشاط، ها قد جاء الخريف وانتهى موسم الحصاد، وفرغ العرب من المشاغل الزراعية وأقبلوا على الحرب الدفاعية بشوق عجيب وميل قوي، فازدادت جموعهم أضعاف ما كانت، وأما تهديدك بوصول العساكر، فالأمة على علم من قوتكم ومعداتكم واستعدادكم للقتل والسفك، وليس بها حاجة إلى إرسال معتمد يكشف لها ما هيأتموه من الوسائل الحربية! الله يا حضرة الحاكم، ما هذه المضمرات العدائية؟ بهذا تستجلب نفوس العراقيين؟ ما أبعدك عن الحكمة والصواب، كأن الوسائل الحربية وسائل للقضاء على الاستقلال والحرية، أتطلب معتمدا لهذه الغاية، للاطلاع على الفظائع العسكرية، فأين الإنسانية؟!
وأما قولك: «فبناء على أن النتيجة النهائية هي معلومة فلم يدوم سفك الدماء؟» إنا نسألك ما هي النتيجة المعلومة، من جواز الحكم من المجهولات، هل تيقنت أنها في جانبكم باعتمادكم على القوات العسكرية التي طوحتم بها ومزقتم أوصالها؟ إنا لا نريد إطالة سفك الدماء، ولكنك تريد ذلك فضع حدا لاتهامك وإيهامك، فإن الأمة قد كشفت نياتك السود، ووقفت على حقيقة أحوالك، ثم ما أغرب قولك: «إن الحكومة الإنجليزية عملا بقواعدها ستجازي بعض الشيوخ وغيرهم الذين ضللوا بالناس، وأسماؤهم معلومة عندي.» الله أيها الحاكم ، كيف نسيت قولك في صدر الكتاب: «إن الحكومة الإنجليزية قد اعتمدت دائما على الأركان الثلاثة.» أكان من الأركان الثلاثة أنها ستنتقم من المشايخ الذين أحرقت بيوتهم ونهبت أموالهم وذبحت أطفالهم؛ لأنهم طالبوك بالاستقلال؟ ليسمع المشايخ نصيحتك هذه، ليقفوا على حقيقة إخلاصك وماذا تعد لهم!
أيها الحاكم العادل! هل وراء ما يشهدونه كل يوم من ضروب الظلم وأنواع الاعتساف، هل وراء التعذيب والانتقام شيء آخر من العذاب؟ ليطمئن بال «المشايخ وغيرهم» فهذا عدلك وهذه رحمتك. أما طلب المفاوضة وتعيينك لها «حضرة الكولونيل هاول»، فإن ذلك يعود إلى رأي المشايخ وأقطاب الأمة الذين قلت: إن الحكومة الإنكليزية ستجازيهم عملا بقواعدها! فيا أيها الحاكم، إن الأمة عملا بقواعدها الإنسانية، واعتمادها على أصول المدنية، لا تمتنع عن المفاوضات الدولية، ولكنها لا تدخل في المفاوضة معكم إلا على الشروط الآتية: (1)
سحب الجيش من البلاد. (2)
إرجاع المنفيين. (3)
حضور قناصل الدول في مجلس المفاوضة.
وخلاصة القول: «إن الأمة لا تريد إلا الاستقلال التام للعراق بحدوده المعروفة، وهي لا تدخل في المفاوضة إلا على تلك الشروط.»
جريدة الاستقلال في النجف
وارتأى فريق من الثوار أن يؤسسوا «مكتبا للدعاية والأخبار» خاصا بالثورة وإصدار جريدة تعاون أغراضها، وكان محمد عبد الحسين قد جاء النجف الأشرف من بغداد بنية المساهمة بالثورة عن طريق الصحافة، فقدم يوم 15 أيلول (سبتمبر) سنة 1920 طلبا إلى قائمقام النجف الذي نصبه المجاهدون السيد نور عزيز الياسري بأنه يروم إصدار جريدة باسم «الاستقلال»، وصفاتها جريدة سياسية اجتماعية تنشر أربع مرات في الأسبوع، وهو يرجو منحه الامتياز بذلك.
فأجابه القائمقام بأنه: «اجتمع «المجلس البلدي» وتذاكر مع «المجلس العلمي» - وهما من تشكيلات حكومة الثورة - فقررا في 18 أيلول (سبتمبر) سنة 1920 الموافقة على طلبكم على أن لا تخالف جريدتكم مبادئ الثورة المقدسة.»
অজানা পৃষ্ঠা