وعند الرجوع إلى كتب التاريخ والسير نجد روايات تؤكد أن عليا لم يكن راضيا عما جرى في اجتماع السقيفة، ولا بالطريقة التي تمت بها بيعة أبي بكر، وهذا ما يلمسه القارئ في كثير من الروايات، أما عند الشيعة فأمر مفروغ منه، وأما عند أهل السنة فمن ذلك: ما روى البخاري في (صحيحه)(1) عن عائشة أن عليا لم يبايع أبا بكر إلا بعد ستة أشهر. وهذا - بلا شك - احتجاج فعلي، إذ لو كان يشعر بالرضا التام؛ لما تأخر عما سبقه إليه غيره من المسلمين، مهما كانت الظروف. وجاء في الرواية نفسها: أن عليا استدعى أبا بكر، وقال له: «إننا لم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك، ولكنا نرى لنا في هذا الأمر نصيبا، فاستبددت به علينا، فوجدنا في أنفسنا». وهذا يدل على أنه كان يرى لنفسه حقا في الخلافة، وأنه استنكر الاستبداد عليه.
غير أن علاقته بمن تقدموه لم يكن فيها قطيعة ولا جفاء، وغاية ما يروى عنه أنه انتقد تصرفاتهم في ما يتعلق بالخلافة نقدا موضوعيا لا يخرج عن المعتاد ، ولا يصل إلى درجة العداوة والقطيعة. لذلك مال إلى المسالمة والتسليم، فبايع أبا بكر(2) وناصره، وقدم له النصح والمشورة، وشهد جمعته وجماعته، وأخذ ما قسم له من الغنائم. وكذلك فعل مع عمر بن الخطاب، فقد جاء في (نهج البلاغة) نص مشورته لعمر في قتال الفرس(3)، ونص مشورته له أيضا في قتال الروم(4)، وفي ذلك ما يوحي بعلاقة طبيعية كانت بينهم.
পৃষ্ঠা ৪০