والذي يدل على صحة ما قلناه: أن اشتراط زوال المنع في وجوبه عليه يخرجه عن باب تكليف ما لا يطاق، وقد ثبت أن التكليف إنما وقع تعريضا للمكلف للمنازل الرفيعة، وذلك يحصل بالعزم على الفعل وتوطين النفس على احتمال أثقاله، وبذلك يخرج التعبد عن كونه عبثا لصحة هذا الغرض، فصح ما قلناه.
مسألة:[الكلام في حد النهي]
اختلف أهل العلم في حد النهي.
فقال قوم: هو قول القائل لمن دونه: لا تفعل، وهو قول الحاكم.
ومنهم من شرط في ذلك الكراهة للمنهي عنه(1).
ويرد على الأول النقض بالتهديد بصيغة النهي ، فإن قول القائل لمن دونه لا تفعل ليس بنهي إذا لم يكن كارها للمنهي عنه، وأورد الصيغة على جهة الإستعلاء دون الخضوع على ما نختاره.
وينقض الثاني أيضا إذا لم ترد الصيغة على جهة الإستعلاء بل كانت على وجه الخضوع فيلحق بالسؤال.
ومنهم من قال: هو قول القائل لغيره لا تفعل على جهة الإستعلاء دون الخضوع ولا تشترط الكراهة في ذلك؛ لأنها شرط في كونه نهيا أو مؤثرة فيه.
وما يكون شرطا في الشيء أو مؤثرا فيه لا يدخل في حده وحقيقته، وحكاه شيخنا عن شمس الدين رضي الله عنهما، وهذا ينتقض بالتهديد أيضا.
وذهب شيخنا رحمه الله تعالى إلى أنه لا حكم للنهي بكونه نهيا فيعلل بوجه من وجوه التعليل، بل ليس المعقول من كونه نهيا إلا ورود صيغة لا تفعل على جهة الإستعلاء دون الخضوع مع كون الناهي كارها للمنهي عنه، وهو الذي نختاره.
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه أن من علم ورود الصيغة على الوجه الذي ذكرنا علمها نهيا، وإن جهل ما جهل، وإن لم يعلمها على الوجه الذي ذكرناه لم يعلمها نهيا، وإن علم ما علم.
পৃষ্ঠা ৬২