والذي يدل على صحة ما قلناه: أنه لو تعبده بواحدة دون غيرها لوجب أن يبين، والثاني أنه لم يبين.
أما أنه سبحانه لو تعبده بواحدة دون غيرها لبين: فلأنه حكيم، والحكيم لا يتعبد بأمر لا يبينه، لأن ذلك يلحق بتكليف ما لا يعلم، وهو قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح على ما ذلك مقرر في مواضعه من أصول الدين.
وأما أنه لم يبين: فذلك ظاهر، وقولهم: إنه لم يبين لعلمه سبحانه أنه لا يعدو الواجب عليه، باطل؛ لأن مثل ذلك لا يحصل مستمرا بالإتفاق (1) من دون العلم، كما أنه لا يجوز من الله سبحانه أن يتعبدنا بتصديق نبي لا يظهر على يديه علما معجزا لعلمه أنا لا نصدق إلا الصادق الذي يريد تصديقه منا.
وإنما قلنا إن ذلك لا يجوز لأنه يودي إلى تجويز بعثه الأنبياء عليهم السلام من دون المعجزات وذلك ما لم يقل به قائل، لا عالم ولا جاهل، ويصير ما قدمنا جاريا في التمثل مجرى ما نقول إنه يجوز من أحدنا أن يعلم من حال ولده أنه إذا خيره بين سلوك طريقين أو أكثر إلى بيت درسه كان أقرب إلى امتثال أمره من إذا قال له اسلك طريقا من هذه الطرق الثلاث مثلا وهي التي أريد سلوكها بين اثنين ولا يبينها له، ولأنه سبحانه خير بينها فلو كان بعضها واجبا، وبعضها نفلا لما جاز التخيير وذلك ظاهر.
পৃষ্ঠা ৪৬