সাফওয়াত আল-আসর
صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
জনগুলি
بعض مآثر الأمير وميراثه
لا ينتظر القارئ أننا نحصي له مبرات الأمير وأعماله العظيمة في هذه العجالة وإنما سبيلنا في ذلك أن نلمع إلى بعضها إلماعا، ونذكر ما حضرنا منها؛ ليقاس عليه ما غاب عنا فكرمه الواسع لا تحضرنا عبارة تفي بالإفصاح عنه خصوصا إذا أهابت بجدواه دواعي البذل، ونزلت بالناس سنو الشدائد فهناك تتجلى أريحيته للعطاء، ويكون بأياديه الجسام أندى كفا من الغمام وأسخى راحة من السحاب الماطر، والبحر الزاخر، فالحرب الطرابلسية إنما كانت مادتها ماله، ولو لم يسعفها بمعونته وجاهه ومبرته لما أمكن أهلها الدفاع عن حوزتهم بضعة أشهر، وكذلك حرب البلقان التي شبت نارها على أثر حرب طرابلس فقد أقر فيها عين الدولة والملة، ورأس لجنة الإعانة في مصر فلبته الأمة والتفت حوله، وألف اللجان في المديريات والبلدان وكان يستندي الأكف بنفسه، ويخطب الخطب الرنانة في المشاهد الحافلة بالأمراء والأعيان، فيجري النضار بين يديه سيلا متدفقا وهو يبعث به إلى الدولة تباعا.
ولقد عرفت الدولة العثمانية مواقفه العظيمة لها في مواطن كثيرة خصوصا في هاتين النازلتين، وفي جمعية الهلال الأحمر، وأرادت أن تكافئه بالوسامات والرتب بل والولايات فأبى شاكرا، وقال: إني لم أفعل غير الواجب وليس على الواجب جزاء.
وغرضه الأقصى من أعماله هذه إحياء عاطفة التعاون والتعاضد بين الشرقيين، وإحكام روابط الألفة والاتحاد التي تقويهم لعلمه أنهم إذا لم يتمسكوا بهذه العروة الوثقى فقد ذهبت ريحهم.
والأيام تبين عن كثب صدق ما يرى وليس أصدق من عبر الدهر وحوادثه، وهذا هو مذهبه السياسي للشرقيين عامة، ورأيه أنهم لو عملوا بهذا المبدأ، مبدأ التضامن، ما تخطفتهم ذئاب الغرب، ولا التهمت بلدانهم واحدة تلو الأخرى، وطالما مد يد المساعدة للدولة في ظروف مختلفة فقد حدث حريق هائل في الأستانة وحدث مثله في الشام ومصر في وقت واحد، فأعمل همته وجمع للمصابين في البلدان الثلاثة مبالغ ذات بال نفست من خناقهم، وأزالت بعض كربتهم، ولم ننس تبرعه للأسطول العثماني والطيارين العثمانيين، واحتفاله بهم في مضمار الإبراهيمية من رمل الإسكندرية في يوم مشهود.
ومن مآثره الغراء عوله لجماعة البخاريين الذين سدت عليهم الحرب الأوربية الكبرى طريق الوصول إلى بلادهم، بعد أدائهم فريضة الحج، فقد كفاهم ببره معرة السؤال والتكفف أكثر مدة هذه الحرب المشئومة، وحاطهم بمعروفه في ستر وكفاية، حتى تمول منهم المعدم واشتغل العاطل وفتحت في وجوههم الطريق إلى غير ذلك من المكارم، التي تعفر في وجه حاتم وتنسينا ذكر الغيث الركام، وتعيد لنا ذكرى الأجواد في سالف الأيام. ولما تمخضت الحرب الكبرى عن انتصار الحلفاء، واقتطاعهم أكثر الولايات العثمانية، واحتلالهم عاصمة الخلافة وانحازت فلول الجيش التركي، وعلى رأسها مصطفى كمال باشا إلى داخل الأناضول، يدافعون عن البقية الباقية من بلادهم وهم خلو من المال والسلاح، أهاب هذا الأمير الكبير بالمصريين فلبوه مسرعين إلى معاضدة هؤلاء الأبطال ومساعدتهم بالمال، ونهجت الأمم الإسلامية وخصوصا الهنود هذا السبيل مقتفين أثره في هذا العمل الإنساني، الذي بيض وجه مصر وعطر الخافقين بذكرها.
وقد دامت هذه المعونة ثلاث سنوات متواليات، وهي تتدفق على الأناضوليين من غيث جوده سيلا منهمرا حتى فازوا على اليونان وأخرجوهم مدحورين من بلادهم، ثم استمرت وما زالت لإعالة أيتام الأناضول إلى أن توارى شبح الموت والجوع عن أعينهم.
ولكن بعد أن تم الفوز للكماليين ثملوا بخمر الانتصار، وقلبوا السلطة العثمانية جمهورية على رأسها مصطفي كمال، ثم تمادى بهم السير في هذا الطريق، فألفوا الخلافة وأخرجوا الخليفة عبد المجيد وسائر أسرة آل عثمان مشردين في الممالك الأجنبية، مجردين مما يقوم بأود معيشتهم فظهر بطل الإسلام مرة أخرى في ميدان العمل، وأثارت هذه الكوارث نخوته المعروفة فقام يدافع عن مقام الخلافة المقدس، ويذود يد الدهر عن هذه الأسر الكريمة، وألف جمعية لإمداد الخليفة عبد المجيد، وأمراء البيت العثماني وأميراته كان أول مدد لها أرسل إليهم أربعة آلاف جنيه.
أما أعماله لمصر والمصريين فهي أجل وأعظم فبابه مجمع العفاة، ومزدحم الواردين والصادرين عن ذلك المنهل العظيم، وسدته قبلة عرائض أولي الحوائج وكعبة آمال ذوي الخلة من الفقراء والمستورين، وهو يسعهم بفضله، ويعمهم بثيبه، وموظفو الدوائر من أياديه في بحر خضم، فهو الذي يواسيهم في مرضهم وفي موتاهم، ويعينهم في زواجهم وفي ولادة أولادهم وختان ذكورهم، وقد رتب لهم نطس الأطباء وتبرع لهم بما يحتاجون إليه من الدواء، وهو الذي يمون بيوتهم بالغلال منذ بداية الحرب ومدارسه لأبناء الفلاحين في ضياعه العامرة، وأبناء الموظفين فيها تعلمهم بدون أجر مبادئ العلوم، وتصرف لهم أدوات الدراسة كلها بغير مقابل.
وذلك غير إقامته للمساجد فيها وتعليم موظفيه عامة على نفقاته علوم اللغة العربية في دروس يومية تعطى لهم عقب فراغهم من أعمالهم، وإعطائه الجوائز السنية للناجحين في امتحانها كل عام، وقد يرى في بعض هؤلاء نجابة فيعينه على تتميم دراسته، ومن أبناء الموظفين وغيرهم من بعث بهم إلى مدارس أوربا العالية على مصاريفه لامتيازهم بالنبوغ، ولا يزال بعضهم فيها إلى الآن.
অজানা পৃষ্ঠা