সাফওয়াত আল-আসর
صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
জনগুলি
اشتهر بالرزانة وأصالة الرأي والحكمة في القول والذكاء الخارق والكفاءة العلمية، وهو من رجال الأمة العظام الذين خدموا بأمانة وإخلاص لمصلحة البلاد، أدام الله معاليه ومتعه بالصحة والهناء.
ترجمة حضرة صاحب المعالي الوزير الجليل محمد فتح الله بركات باشا
كلمة المؤرخ
لا يندهش القراء بعد أن رأوا من فتح الله باشا بركات ما رأوا من شدة الذكاء، وقوة العارضة وحمية الأنف، والدأب في خدمة المجموع أن نقول بأن هذا النابغة المصري ينتمي نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ففي دمائه تجري روح ثلاثة عشر قرنا كاملا بل تكاد تكون روحه قطعة من روح الإسلام كله، تفيض جميع مميزاته النفسية وخلاله ووجداناته وأفعاله من طبيعة الدم، الذي يسري في عروقه.
فكل ما ترى من وجداناته أثر من آثار ذلك الفيض الذي نبع منه، ولتجدن ماء الغدير الفياض في حلاوة مساغه، وعذوبه مذاقه لا يختلف عن ماء النهر العظيم الذي فاض منه واستمد، وكل ما ترى من غيرته وحميته طليعة من طلائع مزاجه ، يمدها قلب كبير وروح حارة، وليس كأولئك الذين لا تكون الحمية فيهم والغيرة إلا نتيجة الظروف، حتى لا تكاد تفرق بين غيرتهم، وبين انفعالاتهم ومثلهم في ذلك مثل الجياد غير الصافنات إذا عرضت في السوق للبيع، وجرى بها سمسارها شوطا صغيرا أظهرت نشاطا وخفة، وأبدت عنفا وكرما، فإذا ابتاعها مبتاع وانطلق بها لم يجد أثر لذلك النشاط الوقتي الذي شاهده.
حضرة صاحب المعالي الوزير الجليل محمد فتح الله بركات باشا وزير الداخلية سابقا والعضو بمجلس الشيوخ.
مولده ونشأته
ولد صاحب الترجمة في اليوم الخامس عشر من شهر شعبان عام 1282 بمنية المرشد، وكانت يومذاك تابعة لمركز دسوق، وهي الآن تتبع مركز فوه من أعمال مديرية الغربية، وأبوه عبد الله أفندي بركات، وكان إذ ذاك عمدة لمنية المرشد، ثم رفع بعدها إلى وظيفة مأمور مركز دسوق، وجده الشيخ عبده بركات، وكان من ذوي الثراء الطائل والغنى الوافر، وكان موظفا في عهد محمد علي الكبير رأس الأسرة المالكة يشغل وظيفة كاتب، تسمى حينذاك ناظر قسم أو ما هو في معنى ذلك، وبدأ مقام هذه الأسرة بمنية المرشد منذ ثلاثماية سنة، وقد نزحت إليها من البرلس، وتنتمي إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
فلما درج إلى الحول السابع دفعه والده إلى كتاب البلد شأن كل مصري حتى اليوم «في بعض القرى»، فلبث في هذا المعهد الصغير حتى كان عام 1293ه، فأرسله والده إلى مدرسة رشيد الأميرية وظل بها حتى أتم التعليم الابتدائي، ثم انتقل حوالي عام 1297ه إلى مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية بالإسكندرية، وكان ناظرها إذ ذاك السيد عبد الله نديم، وبقي بها عاما كاملا، وفي سنة 1298ه دخل المدرسة التجهيزية بدرب الجماميز بالقاهرة، ومكث بها حتى السنة الثالثة، وإذ ذاك ثارت الثورة العرابية، وقد تقدمت بوالده السن، وألفى الحاجة ماسة إلى المترجم؛ ليقوم بإدارة مزارعه ورعي شؤونه وتدبير ثروته، إذ كان أكبر أولاده فانقطع عن الدراسة والمدرسة، وما نفس النابغة إلا قبس من قبس الله يريد مضطربا واسعا ومكانا طلقا، وما روح العظيم في المدرسة إلا في محبس.
وأقام بعد ذلك ببلده وكانت المشاحنات والفتن والضغائن فاشية بين أهل البلد سارية بين أسرته وعشائره، حتى كان بالبلد على صغره سبعة عشر محاميا يشتغلون بقضايا الخصومات الثائرة بين أهلها، أمام المحاكم التي أنشئت إذ ذاك للفصل في أمثال هذه الخصومات والمشاحنات، وكانت أراضي أهل البلد في ذلك الحين مرهونة للمصارف «البنوك» والحكومة، واندفعوا في الفتن والمشاحنات حتى ضجت المديرية والمركز في أخريات عام 1886م من هذا البلد، وحال أهليه ففزعت الأهالي والحكومة إلى صاحب الترجمة، يريدونه على أن يكون عمدة للبلد، وكان إذ ذاك في ريعان الشباب لم يجز بعد الربيع الأول بعد العشرين، على حين أن القانون لم يكن ليبيح وقتئذ تعيين من هو في مثل سنه في منصب العمدة، وكان المترجم لا يميل إلى إسناده إليه لما كان يراه في ذلك الحين من عسف الحكام وبلوغهم من الإرهاق والاستبداد الحد الذي لا يلتئم مع رجل يشعر بكرامة نفسه وشخصيته، ولكنه اضطر إلى قبوله إذ رأى إلحاح الأهالي، ووعود الحكام إياه بأنهم سيأخذون بالحسنى ويجنحون إلى اللين والعرف.
অজানা পৃষ্ঠা