وفجأة تكتشف الذاكرة ذكرى مطوية، وينفرج الطريق ... هذا جناح آخر من البناء ... يقود إلى بناء آخر ... إلى حياة صديق آخر كان معنا ... هذه رسالة من سعيد تذكر لي الأيام السعيدة التي قضاها هو وعبد الجواد بالإسكندرية.
إني أذكر هذه الأيام ... كنت قد رسبت في المجموع، فكتب علي أن أقضي الصيف في القاهرة لأستعد لامتحان الدور الثاني ... إن سعيدا يكتب لي من الإسكندرية قائلا:
ليتك كنت معنا ... إننا نقضي هنا أياما لطيفة، وقد استطعت أن ألتقط من فوق رمال الشاطئ ثلاث فتيات، أوزع وقتي بينهن بالقسطاس، وأنت تعرف عبد الجواد وطبعه الحنبلي؛ فهو يصر على أن الإسكندرية بحر بالنهار، ونوم طويل بالليل ... وعبثا حاولت أن «أشبكه» مع إحدى الفتيات الثلاث ... وعلى فكرة سيعود عبد الجواد بعد باكر إلى البلد، وربما عدت أنا بعده بأيام.
إن ذاكرتي تسوق إلي القصة الآن من بدايتها ... فعبد الجواد هو صديق سعيد منذ الطفولة، وهما من بلد واحد، وقد عرفتهما في وقت واحد، وظلت صداقتنا قائمة حتى بعد أن تخرجنا في الجامعة، وتفرقنا في طلب العيش.
وشاءت الظروف أن تجمع سعيدا وعبد الجواد مرة ثانية؛ فقد نقل سعيد إلى طنطا حيث كان عبد الجواد قد فتح مكتبه، وبدأ يكون لنفسه مكانا ممتازا بين محامي المدينة، ولأدع أحد رسائل سعيد إلي تتحدث:
وتخيل عبد الجواد ... حين رآني أمامه في حجرة مكتبه بطنطا قضينا الدقائق العشر الأولى في عناق وتحيات، وقصصت عليه أني نقلت إلى طنطا، وقبل أن تمر نصف ساعة على لقائنا كنا نسير في الطريق نحو داره، وبعد الغداء قص علي نبأ خطبته لابنة لأحد معارف والده من القاهرة، إنه يستعد للزواج فعلا، وقد حضرت والدته إلى طنطا لتشرف على تأثيث منزله ... إن طنطا بديعة، ويخيل لي أني سأقضي فيها أياما سعيدة، وإن كنت أحس أني مهدد بالزواج؛ لأن صديقي الوحيد فيها سيتزوج.
وتزوج عبد الجواد فعلا، وحضرنا حفلة زفافه في القاهرة، وكانت ليلة لا ننساها أنا وسعيد؛ فقد كدنا نضرب المطرب الذي غنى في الفرح؛ لأننا طلبنا منه أغنية معينة فلم يغنها ... وقد شربنا أنا وسعيد وثملنا، ولعلنا أضحكنا الناس في تلك الليلة أكثر مما أطربهم المطرب الثقيل الظل.
وقال لي سعيد وهو يترنح ونحن في طريقنا بعد الفرح: سهرة مدهشة!
وأجبته وأنا أكثر ترنحا : تعرف يا واد أن الجواز لذيذ.
وأجابني، وقد وقف متصنعا الاتزان: على أن نحضر مدعوين فقط.
অজানা পৃষ্ঠা