5 مقبرة صعدة :- توجد في محافظة صعدة العديد من المقابر في أنحاء مديرياتها ومعظمها مسورة ، وأهمها جبانة مدينة صعدة التاريخية التي تتفرد بتميزها عن الجبانات الأثرية في العالم الإسلامي ، إذ يرجع تاريخ هذه الجبانة على الأرجح إلى ( القرن الثالث الهجري القرن التاسع الميلادي ) ، ويستمر تاريخها حتى الآن ، تدل على ذلك آلاف الشواهد القائمة بها إلى اليوم ، وشواهد القبور في جبانة صعدة تحمل في طياتها دلائل عديدة توضح في المقام الأول من الوجهة الأثرية إبداع الخطاط اليمني وقدرته ومهارته عبر العصور الإسلامية ، كما تحمل أيضا طابع الثراء الزخرفي ، لاسيما الزخارف النباتية والهندسية التي انتشرت في الفن الإسلامي ، بحيث تشهد هذه الكتابات والزخرفة للخطاط والفنان اليمني امتلاكه كفاءة وأصالة ومهارة عالية وذوقا فنيا رفيعا ولقد أضفى التتابع الزمني على شواهد جبانة صعدة الأثرية المزيد من الأهمية ، فضلا عن احتوائها على ألقاب عديدة أطلقت على أصحابها بشيء من الإسهاب في كثير من الأحيان ، وهذه الجبانة العظيمة ضمت رفات معظم أهل صعدة في العصر الإسلامي ، من رجال ونساء وأطفال تبقى اليوم شواهدها معبرة عن فكر وثقافة عاشها مجتمع صعدة ويتضح ذلك في العديد من الوظائف العلمية والدينية التي أوضحتها نصوص الألقاب على كثير من الشواهد الباقية فيها ومنهم العديد من العلماء الذين تخرجوا من مدرسة الإمام الهادي بالإضافة إلى العديد من الأئمة مثل الإمام الكينعي ، أما شواهد القبور من الألواح الحجرية فنوعية تركيبها الجيولوجي متنوع بين الحجر الرملي وحجر البازلت والحجر الجيري البلق ، وهذا النوع غلب استخدامه في معظم الشواهد بالجبانة ، وهذه الألواح الحجرية تصقل جيدا من وجه واحد ويترك الآخر ، والجانب المصقول تتناوله يد الخطاط والمزخرف ، وتتضمن كتابات عليها أسم المتوفى وسنة الوفاة ، وبعض الآيات القرآنية والأدعية بالرحمة للمتوفى ، كما تضمنت بعض مناقب المتوفى ، وتمت تلك الكتابات بخط محزوز على ألواح الشواهد القبورية يحيطها زخارف فنية جميلة الأشكال نباتية وهندسية غاية في الإبداع الفني الرفيع ، كما استخدم الفنان اليمني في معظم شواهد جبانة صعدة الأثرية خط الثلث وبشكل واضح عن غيره من أنواع الخطوط العربية الأخرى ، وسنأخذ أمثلة للأضرحة الواقعة إلى الشمال الشرقي من مدينة صعدة والتي تعتبر من أهم أضرحة جبانة صعدة وأضرحة العالم الإسلامي ، إذ مازالت تحتفظ ببعض معالمها الأثرية من أضرحة وشواهد قبور قائمة بها حتى اليوم وكثير منها في حالة جيدة وتراكيبها مبنية ، وهي بذلك تعتبر ثروة تاريخية عظيمة للدارسين في سبيل تحقيق دراسة اجتماعية وثقافية من واقع الشواهد ، فضلا عن دراسة تطور الخط العربي الذي تزدان به تلك الشواهد ، إلى جانب أنها تلقي الضوء على كثير من الأنساب وصلة القربى ، وبما أن المقبرة لازالت تحتفظ ببعض الأضرحة ذات القباب فإن بعضها آيل للسقوط وقد سقط اثنان منها ، ومن المهم توثيق ما تبقى من تلك الأضرحة والاحتفاظ بوصف لها من الناحية الأثرية والمعمارية حتى لا تندثر دون أن يكون هناك دراسة شاملة لها ، لأن هذه الأضرحة تنفرد عن بقية الأضرحة اليمنية في تكوينها المعماري فهي على شكل جوسق يعلوه قبة وتتشابه الأضرحة في مقبرة صعدة فيما بينها ، بالإضافة إلى أن الضريح الواحد يحتوي على أكثر من قبر مما يجعلنا لا نعرف بالتحديد لمن تلك القبور التي بداخل الضريح وهذا النمط موجود في مقابر أسوان بصعيد مصر ، حيث يتشابه تخطيط أضرحة مقبرة صعدة مع تخطيط بعض الأضرحة في جبانة أسوان ، وخاصة تلك التي اتخذت أشكال الجوسق المفتوح من جوانبه الأربعة ، كما تشابه تخطيط أضرحة مقبرة الحلة بالعراق الواقعة إزاء مشهد الشمس .
পৃষ্ঠা ৯