وهو محدث مخلوق؛ لأنه حروف مرتبة، وأصوات غير باقية، ولأنه مرتب منظوم، وكل مترتب منظوم فبعضه متقدم على بعض، وما كان كذلك وجب القطع بأنه محدث، وذلك ظاهر؛ ولأن الله سبحانه وتعالى أوجده بعد العدم، وما كان موجودا بعد غيره فهو محدث، ودليله من السمع قوله تعالى: ?حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعدلون?[الزخرف: 1 3] فصرح تعالى بأنه جعله قرآنا عربيا، وجعل: بمعنى خلق. بدليل قوله تعالى: ?الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور?[الأنعام: 1]، وقال تعالى في سورة الشعراء: ?وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين?[الشعراء: 5]، وقال تعالى: ?اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون * ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون?[الأنبياء: 1 2]، وهذه نصوص صريحة لا تحتمل التأويل، وقوله تعالى: ?سورة أنزلناها وفرضناها?[النور: 1]، والإنزال إنما هو للمحدث بدليل قوله تعالى: ?وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس?[الحديد: 52]. والقرآن مملوء بقوله تعالى: جعلنا .. وأوحينا .. ووحي الله من أفعاله قطعا وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي )) ، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( كان الله ولا شيء ثم خلق الذكر )) والذكر من أسماء القرآن بدليل قوله تعالى: ?إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون?[الحجر: 9]، وأيضا فإنه محفوظ بصريح هذه الآية وغيرها، والقديم لا يحتاج إلى من يحفظه لمنافاته القدم وقوله تعالى: ?وإنه لذكر لك ولقومك?[الزخرف: 44]، ومن الدلالة على ذلك الصريحة قوله تعالى: ?الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني?[الزمر: 23] فإنه وصفه بأنه منزل أولا ثم قال: أحسن والحسن من صفات الأفعال ووصفه بأنه حديث، وهو والمحدث واحد، فهو صريح فيما ذكرناه، وسماه كتابا والكتاب المجتمع، ومنها سميت الكتيبة كتيبة لانضمامها، وما كان يكون مجتمعا لا يجوز أن يكون قديما، وقال: متشابها. أي يشبه بعضه بعضا في الإعجاز والدلالة على صدق من ظهر عليه وما هذا حاله لا بد أن يكون محدثا.
পৃষ্ঠা ৫৫