[مقدمة المؤلف]
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، والحمد لله الذي لا إله إلا هو العدل الحكيم الصادق في وعده للمؤمنين بجنات النعيم، وفي وعيده للعاصين بالخلود في عذاب الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله السميع العليم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المؤيد بالقرآن الكريم، الهادي إلى الصراط المستقيم، صلى الله عليه وعلى آله الخلفاء بعده، الحفظة للدين القويم.
وبعد،
فإنه سألني بعض إخواني المسترشدين، عن رؤوس مسائل أصول الدين، وتنزيه رب العالمين عن أقوال المبطلين، وأن أجمع له ذلك بالدليل الواضح ليجعله معتمده إن شاء الله في العمل الصالح، فأجبته إلى ما طلب، وبلغته ما أحب، وقررت له هذه القواعد الأكيدة، وجمعت له المهم من المسائل المفيدة، الهادية إن شاء الله لمن اعتقدها إلى أقوم طريق، والمبلغة لمن اهتدى بها إلى أعلى درجات التحقيق، راجيا من الله الثواب الجزيل، على المعاونة على البر والتقوى كما نطق به التنزيل.
وزادني رغبة مع ذلك قوله تعالى:?وتعاونوا على البر والتقوى?[المائدة: 2]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما أهدى المسلم لأخيه المسلم خيرا من كلمة حق سمعها فانطوى عليها ثم علمه إياها، يزيده الله بها هدى، أو يرده الله عن ردى، وإنها لتعدل عند الله إحياء نفس، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا))، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا علي لئن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس))، وغير ذلك من الأحاديث المشهورة، والترغيبات المأثورة، ونسأل الله أن يزيدنا تنويرا، ويجعل لنا من لدنه سلطانا نصيرا.
পৃষ্ঠা ৩
[باب التوحيد]
اعلم أن أول ما يجب على المكلف هو: العلم بالله تعالى ومعرفته، والعلم بصفاته، فإن ذلك رأس العلم الذي ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم في جوابه لمن سأله أن يعلمه من غرائب العلم، فقال: (( وماذا صنعت في رأس العلم حتى تسألني عن غرائبه؟ )). قال: وما رأس العلم يا رسول الله؟ فقال: (( أن تعرف الله حق معرفته )). قال: وما معرفة الله حق معرفته؟ قال: (( أن تعرفه بلا مثل ولا شبيه، وأن تعرفه إلها واحدا أولا آخرا ظاهرا باطنا لا كفؤ له ولا مثل له )).
পৃষ্ঠা ৪
[وجوب النظر وأهمية معرفة الله]
والطريق إلى معرفته سبحانه والعلم به هو: ما قص الله عن رسوله إبراهيم الخليل صلى الله على نبيئنا وعليه وعلى آلهما وسلم، من قوله تعالى: ?وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين *فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض?[الأنعام: 75 79].
وذلك هو النظر والتفكر في ملكوت السموات والأرض وما بينهما وما فيهما من الآيات الباهرة، والبينات الظاهرة، والتدبيرات العجيبة، والمخلوقات البديعة، والحيوانات على اختلاف أجناسها وألوانها وصورها، وأصواتها، وتركيب كل حيوان وما فيه من الحواس الظاهرة والباطنة، وإلهامها إلى مصالحها صغيرها وكبيرها، وابتداء خلقها في الأرحام، وانتقالها من طور إلى طور، فتبارك الله أحسن الخالقين.
فمن نظر حق النظر بعقله في هذه المشاهدات وتغييرها وتأليفها، وافتراقها واجتماعها، وما يعتريها من الزيادة والنقصان، والحركة والسكون، واحتياجها إلى الأمكنة والمحال، علم علما يقينا أنها محدثة، من خالق ابتدعها، ومدبر دبرها واخترعها، ومالك فطرها وصنعها، ومن المحال أن يكون محدثها مثلها، أو بعضها، أو طبعها.
পৃষ্ঠা ৫
ولما كان هذا مما تهتدي إليه العقول السليمة، وعلمه مركوزا بالضرورة فيها؛ أرسل الله الرسل وأيدهم بالمعجزات التي يعلم بها قطعا صدقهم، وأنزل معهم الكتب التي فيها بيان أحكامه، وكيفية تأدية شكره على إنعامه، ?وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها?[النحل: 18]، ?لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل?[النساء: 165] المرشدين للأمم إلى أقوم السبل.
পৃষ্ঠা ৬
وأثار سبحانه ما في دفائن العقول من معرفته بآيات بينة تحقق صفاته الإلهية، واختصاصه بالملك والعظمة والكبرياء والوحدانية، فتنبه العقول من سنة الغفلة عن معرفة رب العالمين، وينجلي ريبها الذي سببه اتباع الهوى والتخيلات الفاسدة، وتقليد الآباء في الدين، فتدبر الآيات الصريحة في كتاب الله المجيد، المرشدة إلى أنوار الهداية والتوحيد، الصارفة للعقول إلى ما هو الأهم من علم الله وعدله وصدقه، ?وما ربك بظلام للعبيد?[فصلت: 46]، ?أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها?[محمد: 24]، قال الله سبحانه: ?إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون?[البقرة: 164]، وقال سبحانه: ?أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت *وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت?[الغاشية: 17 20]، وقال تعالى: ?فلينظر الإنسان مم خلق?[الطارق: 5]، وقال تعالى: ?وكأين من آية? [يوسف: 105]، فالقرآن مشحون بمثل ذلك، منبه لذوي الألباب على سلوكها في النظر أشرف المسالك، حتى يعلموه علما إيقانا، ?ويزداد الذين آمنوا إيمانا? [المدثر: 31]. وأنه ?الذي أحسن كل شيء خلقه?[السجدة: 7]، ?الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار? [الرعد: 16].
وإياك أن تتفكر في ذاته، فلن تعرفه إلا بالنظر في مخلوقاته. ومن كلام الوصي كرم الله وجهه في الجنة وقد سئل عن التوحيد فقال: (( التوحيد ألا تتوهمه )). وهذا من الحكم الجوامع، وروي: (( من تفكر في الخالق ألحد، ومن تفكر في المخلوق وحد )). قال الشاعر:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
ومن ذلك جواب موسى عليه السلام وقد سأله فرعون لعنه الله قال: ?ومارب العالمين?[الشعراء: 23] أي: من أي الأجناس هو؟ فأجابه بما يعلم به، فقال: ?رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين?[الشعراء: 24].
পৃষ্ঠা ৭
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أن رجلا سأله عن أفضل الأعمال ثلاث مرات يجيب عليه في كلها: (( العلم بالله )). فقال الرجل: أسألك عن العمل فتجيبني بالعلم؟! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( ويحك إن مع العلم ينفعك قليل العمل وكثيره، وإن مع الجهل لا ينفعك قليل العمل ولا كثيره )).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( لو عرفتم الله حق معرفته لعلمتم العلم الذي ليس بعده جهل، ولو علمتم الله حق علمه لزالت الجبال بدعائكم )).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: (( قسم الله العقل ثلاثة أجزاء، فمن كانت فيه فهو العاقل، ومن لم تكن فيه فلا عقل له: حسن المعرفة بالله، وحسن الطاعة لله، وحسن الصبر لله )). معنى الخبر: ومن لم يفعل هذا فلم يستعمل عقله.
পৃষ্ঠা ৮
[الدليل على وحدانية الله]
ولما علمنا بالنظر والتفكر في الآيات القرآنية المثيرة لدفائن العقول، أن لهذا العالم المحكم خالقا مدبرا، قطعنا وعلمنا وشهدنا وآمنا بأنه الله الواحد الذي لا شريك له، ولا ثاني معه، ?إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض?[المؤمنون: 91] و?لفسدت السموات والأرض?[المؤمنون: 71] بالتنازع، ولأتتنا رسل الثاني وكتبه.
قال سبحانه: ?الله لا إله إلا هو الحي القيوم?[البقرة: 255]، ?إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو?[الكهف: 98] .
وروى أبي بن كعب أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنسب لنا ربك! فأنزل الله: ?قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد?.
وروي عن الوصي كرم الله وجهه في الجنة: أن السائلين هم اليهود، قالوا: صف لنا ربك تعنتا. فنزلت السورة.
وعلمنا أنه سبحانه موجود؛ لتجدد الحوادث وعدم تأثير المعدوم، وقال تعالى وهو أصدق القائلين: ?ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم?[المجادلة: 7].
পৃষ্ঠা ৯
وعلمنا أنه قادر عالم حي، إذ صح منه الفعل الدال على القدرة، وصح منه الإحكام الدال على العلم، فإن المخلوقات كلها على أبدع نظام، وما ذلك إلا من قادر عالم، والقادر العالم لا يكون إلا حيا.
وهو سبحانه قديم لا أول لوجوده، وإلا كان محدثا واحتاج إلى محدث، وتسلسل وهو محال، تعالى الله عن ذلك.
والله سبحانه غني؛ لأنه غير محتاج، إذ الحاجة من صفات الأجسام، والله سبحانه وتعالى ليس بجسم ولا عرض؛ لاحتياج الجسم والعرض إلى حيز ومحل، وكل ذلك في حقه محال.
ولا يشبه شيئا من خلقه، إذا لشاركه المشبه له، وهو لا شريك له. وهذه الصفات المثبتة والمنفية صريحة في كتاب الله الذي ?لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد?[فصلت: 42] فهي بها ناطقة، وللعقول منبهة موافقة، وحسبك بآيات الله حجة صادقة.
পৃষ্ঠা ১০
قال سبحانه: ?الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم?[البقرة: 255]، ?هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم?[الحديد: 3]، ?وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين?[الأنعام: 59]، ?وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى?[طه: 7]، ?والله على كل شيء قدير?[البقرة: 284]، ?أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم?[يس: 81]، ?عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال?[الرعد: 9]، ?ليس كمثله شيء وهو السميع البصير? [الشورى: 11]، ?وهو معكم أينما كنتم?[الحديد: 4] ?يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد?[فاطر: 15]، ?ومن كفر فإن الله غني عن العالمين?[آل عمران: 97]، ?ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء?[محمد: 38]، ?يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون?[فاطر: 3]، ?قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين?[إبراهيم: 10] وذلك متكرر في آيات الكتاب الكريم.
والله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة، إذ لو كان يرى في حال لوجب رؤيته الآن لزوال الموانع، وهو يقول: ?لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير?[الأنعام: 103]، ويقول سبحانه لموسى عليه السلام: ?لن تراني?[الأعراف: 143]، فإنه نفى الرؤية نفيا مؤكدا ب(( لن )) المقتضية للاستمرار والتأبيد، وقيد ذلك بمحال وهو استقرار الجبل حال دكه.
وهذا السؤال إنما كان من قومه على لسانه صلى الله عليه وآله وسلم، لعصمة الأنبياء عن طلب ذلك، ثم تاب إلى الله من مساعدتهم، وقد وصف الله سؤالهم بأنه أكبر من الكبيرة في قوله تعالى: ?فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة?[النساء: 153].
পৃষ্ঠা ১২
وروي عن عائشة أنها سئلت: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: يا هذا لقد قف شعري مما قلت: أين أنت من ثلاث من حدثك بهن فقد كذب: من حدثك بأن محمدا رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: ?لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير?[الأنعام: 103]. ومن حدثك بأن محمدا يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت: ?وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير?[لقمان: 43]. ومن حدثك أن محمدا كتم شيئا من الوحي فقد كذب. ثم قرأت : ?يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين?[المائدة: 67].
والله تعالى لا يجوز عليه الفناء؛ لأنه: إعدام الجسم أو العرض، والله ليس بجسم ولا عرض، ولأنه لا بد له من مؤثر قادر، والله ليس من جنس المقدورات، ولقوله تعالى: ?هو الأول والآخر?[الحديد: 3]، ?وليس كمثله شيء?[الشورى: 11]، ?كل شيء هالك إلا وجهه?[القصص: 88]، ?كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام?[الرحمن: 26 27].
পৃষ্ঠা ১৩
والله منزه عن الولد والوالد، لاقتضاء التوالد والحلول الذي هو من صفات الأجسام، والله تعالى ليس بجسم، قال تعالى: ?لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد?[الصمد: 3 4]، وقوله: ?ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله?[المؤمنون: 91] الآية، و?قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون?[التوبة: 30]، ?وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا?[الإسراء: 111].
পৃষ্ঠা ১৪
باب العدل
يجب على كل مكلف العلم بأن الله تعالى عدل حكيم، ليس في أفعاله شيء من القبيح، ولا الظلم ولا العبث، بدليل العقل والنقل.
أما العقل: فلأنه سبحانه عالم بقبح القبيح الذي هو الظلم والعبث، ومستغن عنه، وعالم باستغنائه عنه، ومن كان كذلك فإنه لا يفعل شيئا منه، ولا يريده، ولا يرضاه لغيره، ولا يأمر به، فكيف يرضاه لنفسه وهو عدل حكيم؟
وأما النقل: فإن الله سبحانه وتعالى يقول: ?إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون?[يونس: 44]، ويقول: ?ولا يظلم ربك أحدا?[الكهف: 49]، ويقول: ?أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون?[المؤمنون: 115]، ويقول سبحانه: ?ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار?[آل عمران: 191].
পৃষ্ঠা ১৫
وكل أفعاله سبحانه وأوامره ونواهيه منوطة بالحكمة والمصلحة، صرحت بذلك آيات كتابه الكريم في كثير من المواضع، وكرر لفظ: (( حكيم )) و(( عليم )) مرارا في آيات متعددة، فيجب اعتقاد ذلك، وإن خفيت علينا الحكمة في بعض ذلك فهو يعلمها، وتعالى الله علوا كبيرا أن يفعل شيئا لا لحكمة، ?ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار?[ص: 27] وقيل لعلي كرم الله وجهه: ما العدل؟ قال: (( أن لا تتهمه )). وهذه حكمة جامعة.
والله سبحانه وتعالى لا يجازي أحدا إلا بالعمل، ولا يعاقب أحدا إلا بما اكتسب، ولا يثيبه إلا بما كسب؛ لأن ذلك من العدل والحق، قال تعالى: ?إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون?[النحل: 90]، وما يأمر إلا بما يرضاه ويريده ويتصف به، وقال تعالى: ?ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى?[النجم: 31]، وقال تعالى: ?من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد?[فصلت: 46]، وقال تعالى: ?فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون?[آل عمران: 25]، وقال تعالى: ?إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى?[طه: 15]، وقال تعالى: ?ولا تزر وازرة وزر أخرى?[الأنعام: 164].
পৃষ্ঠা ১৬
فصل [في أفعال العباد]
وأفعال العباد كلها الحسن والقبيح والمبتدأ والمتعدي والمتولد، غير مخلوقة فيهم، بل هي صادرة منهم باختيارهم، غير ملجئين إلى شيء منها، مسندة إليهم، معاملون عليها عقلا وشرعا، منسوبة في المحاورات إلى فاعليها، يعلم ذلك كل عاقل، والله تعالى يقول: ?فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره *ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره?[الزلزلة: 7 8] ?جزاء بما كانوا يعملون?[الواقعة: 24]، ?اعملوا آل داود شكرا?[سبأ: 13]، ?إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات?[ص: 24]، ?إن الذين يلحدون في آياتنا?[فصلت: 40] ?فاستحبوا العمى على الهدى?[فصلت: 17].
ثم وصفهم الله بالقوة والضعف، واختلافهم في مزاولة الأعمال باختيارهم يشاهده كل عاقل، ?فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر?[الكهف: 29]، ?فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون?[الأنبياء: 94]، وقال تعالى: ?ونكتب ما قدموا وآثارهم?[يس: 12]. فنسب جميع أفعالهم إليهم، (في كل جارحة قوة تخصها، فالرجل للسير، واليد للبطش، والعين للنظر، والأذن للسمع) ، ولو كانت من الله كما يقول المبطلون لما وقع مدح لأحد على فعل حسن، ولا ذم على قبيح، كما لم يقع شيء من ذلك على الألوان والطول والقصر ونحو ذلك مما ليس باختيارهم، بل هو من الله فيهم، ولما أثابهم الله على الحسنات، وعاقبهم على السيئات، لما يؤدي إليه من أن تكون المجازاة على غير فعل منهم.
পৃষ্ঠা ১৭
وأما الكسب الذي تعلقوا به، وجعلوه من العبد فغير متعقل، ولا طائل تحته، وإنما قصدهم به ستر عورة مذهبهم وشناعته، ودفعوا به ما ألزمهم به علماء العدل من الحجج التي لا تدفع، وليطفئوا نور الحق بالأقوال، ?يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون?[الصف: 8]، ولأنه يقال لهم: الكسب إما أن يكون من فعلهم، أو من فعل الله تعالى؟ فإن قالوا: من فعلهم. فقد أثبتوا للعبد فعلا، وإن قالوا: من فعل الله. احتاجوا إلى كسب آخر للعبد وتسلسل، فبطلان قولهم معلوم، وقد سبق بعض الأدلة القرآنية في نسبة الأفعال إليهم، ومنها: ?والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون?[آل عمران: 135]، ?وتخلقون إفكا?[العنكبوت: 17]، ?ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا?[النساء: 112]، ?ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون?[المؤمنون: 63].
والأحاديث كثيرة مصرحة بذلك، منها: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تتكلم )) فقد تظاهرت الأدلة من العقل والسمع، على أن أفعال العباد منهم، مع أن الإستدلال على المشاهد المحسوس إنما أحوج إليه مكابرتهم للعقول،
وليس يصح في الأذهان شيء .... إذا احتاج النهار إلى دليل
পৃষ্ঠা ১৮
فصل [في القضاء والقدر]
ولا يجوز أن يقال: إن المعاصي بقضاء الله وقدره؛ لأن إطلاق هذا يوهم فساد المعنى، وهو: أن الله تعالى خلقها فيهم، وقد قدمنا أن أفعال العباد منهم، ودللنا على ذلك، وقد ذهب قوم عرفوا بالقدرية والجبرية إلى أن المعاصي بقضاء الله وقدره.
وناظرهم الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام حين دخل صنعاء، فاجتمع علماؤهم وقالوا: ممن المعاصي؟ فقال عليه السلام: ومن العاصي؟ فسقط في أيديهم ونكسوا وتلاوموا، فقال المتكلم عنهم: أسكتني وغلبني بأوجز من كلامي، إن قلت: العاصي هو العبد خرجت من مذهبي، وإن قلت: الله، كفرت؛ لأن الله تعالى لا يجوز أن يقال: إنه عاص على مذهبهم ومذهب غيرهم، فرجع جماعة منهم إلى مذهب أهل العدل.
وأخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهم فقال: ((صنفان من أمتي لا تنالهم شفاعتي لعنهم الله على لسان سبعين نبيئا: القدرية، والمرجئة )). قيل: يا رسول الله ومن القدرية؟ قال: (( الذي يعملون المعاصي ويقولون هي من الله )). وفي رواية: وقيل: يا رسول الله، ومن المرجئة؟ قال: (( الذين يقولون الإيمان قول بلا عمل )). فهذا نص صريح وشهادة من صادق أن الجبرية هم القدرية، يؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((القدرية مجوس هذه الأمة )) ، وهم خصماء الرحمن، وشهود الزور، وجنود إبليس لعنه الله.
পৃষ্ঠা ১৯
أما كونهم خصماء الرحمن، فلأنهم المخاصمون للرحمن، فإذا احتج يوم القيامة على العصاة وعلموا أنهم أتوا من قبل أنفسهم وأنه ليس لهم ظالما، قام المجبرة فردوا عليه وقالوا: أنت الذي خلقت فيهم العصيان، وأمرتهم وخاطبتهم بما لا قدرة لهم عليه، وهو الطاعة، ثم أخذت الآن تعاقبهم على فعلك وتوبخهم عليه.
وأما كونهم شهداء الزور، فإن الله سبحانه وتعالى إذا سأل الشياطين: لم أضللتم العباد وأغويتموهم؟ قالوا: أنت الذي أضللتهم وأغويتهم. ثم لا يجدون من يشهد لهم إلا المجبرة دون سائر الأمم. وأما كونهم جنود إبليس، فإنهم الذين يتعصبون لإبليس، ويحتجون له على مقالته: ?رب بما أغويتني?[الحجر: 39] ويقولون: إنه غير مستحق للذم والبراءة؛ لأنه لا فعل له، بل الله المضل له والمغوي، وهذا الوصف كل يدفعه عن نفسه.
وطريق الإنصاف: أن من وجدت فيه هذه الأوصاف فهو المستحق لهذا الاسم، والله أعلم.
পৃষ্ঠা ২০
فصل [في تكليف مالايطاق]
والله سبحانه وتعالى لا يكلف عباده ما لا يطيقونه؛ لأن قبح ذلك معلوم بضرورة العقل، وقد ثبت بالدليل القطعي أن الله سبحانه لا يفعل القبيح، وهو القائل في محكم كتابه: ?لا يكلف الله نفسا إلا وسعها?[البقرة: 286]، ?لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها?[الطلاق: 7]، ?فاتقوا الله ما استطعتم?[التغابن: 16]، ?ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا?[آل عمران: 97].
وقال رسول الله الصادق الأمين، الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وآله وسلم: (( إذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )) ، وقال في الأنصاري الذي شبكته الريح فسأله عن الصلاة: (( إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه ))، وقال فيه: (( وإن لم يستطع أن يقرأ القرآن فاقرأوا عنده )) ، وجوابه للحامل والمرضع وصاحب العطش في الصيام: بأن يفطروا، ومتى أطاقوا فليقضوا.
وهذه مسألة لولا مكابرة أهل العناد، ومن لم ينزه رب العباد، لم يحتج أهل العدل عليها إلى الإستدلال، مع العلم بعدل الله ذي الجلال.
পৃষ্ঠা ২১
فصل [في أفعال الله تعالى]
والله تعالى لا يريد الظلم، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد، لقبح ذلك عقلا، والله تعالى لا يفعل القبيح، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وهو تعالى يقول: ?وما الله يريد ظلما للعباد?[غافر: 31]، ?ولا يرضى لعباده الكفر?[الزمر: 7]، ?والله لا يحب الفساد?[البقرة: 205]، فنفى تعالى عن نفسه ما ذكر، وتكذيبه مخرج من دائرة الإسلام.
وهو سبحانه يكره المعاصي كما قال: ?كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها?[الإسراء: 38]، ولأنه نهى عنها وأوعد عليها، وقال تعالى: ?وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون?[الحجرات: 7]. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن الله كره لكم العبث في الصلاة، والرفث في الصيام، والضحك بين المقابر)) فإذا كره ذلك فكيف يكون مريدا لما نهى عنه مما فوقه من المعاصي؟ وإنما ذلك صادر بإرادة العباد، وهي توطين النفس على الفعل أو الترك .
واعلم أن الله سبحانه لعدله وحكمته لم يكلف عباده إلا ما يستطيعون، وأعلمهم على لسان نبيئه (ص) طريق الرشد ورغبهم فيها، وطريق الغي وحذرهم عنها وجعل ذلك إلى اختيارهم، مع قدرته على قسرهم وإلجائهم إلى ذلك، كما قال سبحانه: ?أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا?[الرعد: 31]، لكنه قال: ?لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي?[البقرة: 256].
পৃষ্ঠা ২২
ومن شرط التكليف الذي وعد بالجزاء عليه ثوابا وعقابا: أن لا يكون بقسر وإلجاء، فلو كان كذلك لم يستحق عليه مدح ولا ذم، ولا ثواب ولا عقاب، يعلم ذلك بالعقل ضرورة، مع أن المشركين قد قالوا ذلك، ورد الله عليهم وكذبهم ووبخهم، وتبع طريقتهم جمع من الفرق الضالة الهالكة، وكذلك ممن قبلهم، قال الله سبحانه وتعالى: ?سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون?[الأنعام: 148]، وقال تعالى: ?وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين?[النحل: 35]، فأخبر سبحانه أنهم يتبعون الظن ?وإن الظن لا يغني من الحق شيئا?[يونس: 36]، والخرص: الكذب.
وقال تعالى: ?وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون * قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد?[الأعراف: 28 29] أي بالعدل والإحسان.
পৃষ্ঠা ২৩