أما النافون للرؤية فيحملون الوجوه على أصحابها وهو الصحيح لأن ذلك معهود في القرآن، وفي لغة العرب، فإن العرب يقولون: قصدت وجهك. بمعنى قصدتك. فالانتظار وإن أسند إلى الوجوه لفظا فهو لأصحابها معنى، ولذلك جاز إسناد الظن إليها في قوله تعالى: {ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة}(1)، ومن المعلوم أن الوجوه لاتظن وإنما أصحاب الوجوه يظنون، كما جاز إسناد الخشوع والعمل والنصب إليها في قوله تعالى: {وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة}(2)، ويؤكد قوله من بعده: {تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع}(3)، فإن الصلى غير خاص بالوجوه والسقي والطعام لأصحاب الوجوه قطعا، ومثله إسناد النعمة والسعي والرضى إلى الوجوه في قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية}(4).
وقد أشكل على مثبتي الرؤية إسناد النظر في آية القيامة إلى الوجوه فترددوا بين القول بأنه الرؤية بالبصر أو بالوجوه أو بالجسم كله أو بحاسة سادسة، وما هذا الإضطراب إلا دليل على أنهم غير مستندين إلى أصل فيما قالوه، ولو أنهم فهموا الآية الكريمة فهما صحيحا وحملوها على ما يقتضيه السياق واللغة لسلموا من هذا الاضطراب(5).
الشبهة الثالثة: فإن قيل إن في الانتظار تنغيصا وتكديرا يتنافى مع إكرام الله لعباده الأوفياء يوم القيامة.
جوابها: إن الانتظار لايقتضي تنغيص العيش على كل حال وإنما يوجب ذلك متى كان المنتظر لايتيقن حصول ما ينتظره، أو يكون في حبس ولايدري متى يتخلص من ذلك وهل يتخلص أم لا؟ فإنه والحال هذه يكون في غم وحسرة فأما إذا تيقن وصوله إليه فلا يكون في غم وحسرة خاصة إذا كان حال انتظاره في أرغد عيش وأهناه.
পৃষ্ঠা ৬২