রুম
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
জনগুলি
16
وإذا تتبعنا بولس في رحلاته التبشيرية نجده ينتقي لكل كنيسة يؤسسها شمامسة لخدمتها ومجلس كهنة لإدارتها وقيما أعلى يمثله فيها كتيموثاوس وطيطس ولوقا وغيرهم، ونجده يبقى على صلة بهذه الكنائس جميعها يوجهها ويحل مشاكلها. وكان طبيعيا جدا أن يخلف الرسول في رئاسة كل كنيسة يؤسسها ممثله الأعلى فيها، وأن يكون لهذا الخليفة سلطة مستمدة من الرسول المؤسس. والواقع الذي تؤيده النصوص أنه منذ منتصف القرن الثاني كانت قد انتظمت كل كنيسة مهمة حول رئيس لها دعي أسقفا، وحول قسيسين وشمامسة وشماسات، ثم تعددت الكنائس فتكتلت في كل ولاية حول كنيسة عاصمتها تكتل المدن في تلك الولاية حول العاصمة، وتهيأت لأسقف كل عاصمة من عواصم الولايات زعامة على غيره من أساقفة ولايته.
وفي أغلب الأحيان نجد أساقفة الكنائس التي كانت مبعث الحركة في عهد الرسل يتقدمون على غيرهم من أساقفة الولاية أو الولايات المحيطة بهم، شأن أساقفة رومة في إيطالية، وأساقفة قرطاجة في أفريقية الشمالية، وأساقفة الإسكندرية في مصر وليبية والحبشة، وأساقفة أنطاكية في سوريا ولبنان وفلسطين وغيرها، وأساقفة كورونثوس في اليونان وما جاورها. أما في آسية الصغرى فإن كثرة الكنائس التي فاخرت بشرف الانتساب إلى الرسل قد حالت دون تزعم كنيسة واحدة على جميع الكنائس.
وكان طبيعيا أيضا أن يتقدم أسقف رومة على غيره من الأساقفة؛ لأنه كان أسقف عاصمة الإمبراطورية وخليفة الرسولين بطرس وبولس، وهو ما يجمع عليه علماء الكنيسة إجماعا، ولكن هؤلاء يختلفون في صلاحيات هذا الأسقف، فالكاثوليكيون منهم يرونه مطلق الصلاحية والسلطة، خليفة السيد على الأرض منذ أوائل تاريخ الكنيسة. ويستدلون على هذا بالآية: «أنت الصخرة»، وبأقوال الآباء الأقدمين كالقديس إقليمنذوس الروماني والقديس إغناطيوس الأنطاكي والقديس إيرينيوس اليوناني، وغيرهم. والأرثوذكسيون منهم يرون في الصخرة صخرة الإيمان ويرون في أقوال القديسين ما يوجب تقديما في الكرامة لا في السلطة، ويحتجون بورود كلمة
في هذه الأقوال عند الإشارة إلى صلاحيات أسقف رومة، وهذه الكلمة تعني: في رأيهم التصدر في المجالس لا السلطات المطلقة.
17
وقدس المسيحيون في عهدهم الأول السبت لا الأحد، ولم يصبح الأحد يوم الرب قبل القرن الثاني، وكانوا يشتركون جميعا في عشاء واحد مرة في الأسبوع أو أكثر، فيستمعون لقراءة الأسفار وينتهون بعد العشاء بقبلة المحبة «الأغبة». وكان على المؤمن أن يمتنع عن التقبيل إذا شعر باللذة، وكان على المؤمنات أن يسترن شعورهن بغطاء أو أن يقصصن شعورهن إذا استثقلن الغطاء. وكانوا إذا اجتمعوا للصلاة استمعوا لقراءة الأسفار للعظة الأسبوعية، واشتركوا في ممارسة الأسرار وتنبئوا - رجالا ونساء - وكان للكاهن أو أحد المتقدمين بينهم يفسر هذه النبوءات على ضوء الدين والخلاص.
وقبيل انتهاء القرن الثاني اتخذت العبادة المسيحية شكلا منظما، مع ما في ذلك القراءات والصلوات والذبيحة الإلهية، وبقي هذا النظام معمولا به على سبيل العرف حتى صاغه القديس باسيليوس الكبير (329-379) والقديس يوحنا الذهبي الفم (347-407)، فتبلور وأخذ شكله الحالي، وثمة خدمة خاصة بيومي الأربعاء والجمعة في أثناء الصوم يعود الفضل في إعدادها إلى القديس غريغوريوس الذيالوغوس (340-400)، ونجد المسيحيين الأولين يقولون بالأسرار الثلاثة: المعمودية والتناول والكهنوت، فالسبعة: المعمودية والمسحة والتناول والتوبة والكهنوت والزيجة والزيت المقدس، وعني المسيحيون الأولون بالموتى لأنهم قالوا بقيامة الجسد، فمارسوا طقوسا معينة لهذه الغاية، وتولى الإكليروس الدفن بإشراف منهم.
ولا يختلف اثنان - فيما نعلم - أن المسيحيين الأولين كانوا مثال التقوى والصلاح، وأن الإيمان بالمسيح، وبقرب عودته ليدين الأحياء والأموات كان أعمق أثرا في نفوس أهل ذلك العصر من الإيمان بالآلهة القديمة، وأن الرسل بلغوا النجاح حيث أخفق كبار الفلاسفة. ومما يجدر ذكره بهذه المناسبة أن الآباء المؤسسين حرموا الإجهاض وقتل الأطفال، وأنهم لموا اللقطاء وعمدوهم باسم الرب وربوهم على نفقة الكنيسة، وأنهم حضوا المؤمنين على العفة والبتولية وأساغوا الزواج لمن خشي العنت فقط. وأنهم لم يرضوا عن زواج الأرامل ولم يأذنوا بالطلاق إلا بين الوثني والنصرانية.
ومما يثبت استقامة المسيحيين الأولين وصلاحهم شهادات الوثنيين أنفسهم: فبلينيوس الأصغر وجد نفسه مضطرا أن يقول للإمبراطور تريانوس: إن المسيحيين عاشوا عيشة مثلية مسالمة، وقال غاليانوس العالم : إنهم توصلوا إلى درجة من ضبط النفس وسمو الأخلاق أصبحوا بعدها لا يقلون عن الفلاسفة الحقيقيين في شيء ، وأدى الشعور بينهم بالخطيئة وبقرب انتهاء العالم ومجيء الديان؛ إلى رغبة في الطهارة وإلى اجتناب كل لذة من لذات الجسد، فكبحوا شهواتهم بالصوم ورياضة الجسم على العذاب، وصدفوا عن الموسيقى والمآكل الشهية والحمامات الساخنة، وأرسلوا الشعور واللحى.
অজানা পৃষ্ঠা