وما زلت أعاني القلق، وأكابد الأرق، حتى برق عمود الصباح، وأعلن الداعي بحي على الفلاح، وظهرت تباشر النهار، وان اذكر ما قيل في ذلك من الأشعار: قال علي بن الجهم من الكامل
كم قد تجهمني السرى وأزالني ... ليل ينوء بصدره متطاول
وهززت أعناق المطي أسومها ... قصدا ويحجبها السواد الشامل
حتى تولى الليل ثاني عطفه ... وكان آخره خضاب ناصل
وخرجت من أعجازه وكأنما ... يهتز في بردي رمح ذابل
وقال آخر: من الخفيف
رب ليل كالبحر هولا ... وكالدهر امتدادا وكالمداد سوادا
خضته والنجوم يوقدان حتى ... أطفأ الصبح ذلك الإيقاد
وقال آخر: من البسيط
كان بين هزيعيه نوى قذفا ... أو بعدما بين قلب الصب والجلد
كأنما فرقداه في ائتلاقهما ... ياقوتتا ملك أو ناظر أسد
حتى تنبه فجر في خلال دجى ... كلنه مقلة زرقاء في رمد
وقال السيد ابن طباطبا العلوي: من الكامل
يا ليلة حليت بزهر نجومها ... وسهرتها حتى بدت لي عاطلا
لم يرض ليلى إذ تجلى بدره ... حتى أراني فيه منك مخائلا
وطفقت ارمق منه بدرا طالعا ... وطفقت اذكر منك بدرا أفلا
وقال ابن النبيه من البسيط
والليل تبدو الدراري في مجرته ... كالماء تطفو على روض أزاهره
وكوكب الصبح نجاب على يده ... مخلق تملأ الدنيا بشائره
فلما متع ضوء النهار، وقفت في الانتظار، كلما أحسست نباة توجست، وكلما تذكرت الحبيبة تنفست: من الطويل
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والليل بالهم جامع
نهاري نهار الناس حتى إذا بدا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع
فأخذت أعلل نفسي بالمنى وأتوهمها كلما رأيت حسنا، وأنا أراها بعين الشمس والقمر وأتشاغل عن لماها بالمدام، وأين الحجول من الغرر، مهيار: من الطويل
أراك بعين الشمس والبعد بيننا ... فاقنع تشبيها بها وتمثلا
وأذكر عذبا رضابك سائغا ... فما اشرب الصهباء إلا تعللا
وقال جحظة البرمكي: من المتقارب
إذا ما ظمئت إلى ريقها ... جعلت المدامة منه بديلا
وأين المدامة من ريقها ... ولكن أعلل قلبا عليلا
ولهم في نعت ريق الحبيب، اوصاف تنذر بالطيب، مع اعترافهم انهم لم يذوقوا له طعما، ولا عرفوه إلا وهما، قال مهيار: من الرجز
وفي الحمول سمحة ضنينة ... تبذل وجها وتصون ملمسا
سلسالها إن لم أكن أعرفه ... رشفا فقد وصفته تفرسا
وهو مأخوذ من قول شاعر الحماسة: من الطويل
بأطيب من فيها وما ذقت طعمه ... ولكنني فيما ترى العين فارس
وقد أحسن القائل ما شاء: من الطويل
كان على أنيابها الخمر شجه ... بماء الندى من آخر الليل غابق
وما ذقته إلا بعيني تفرسا ... كما شيم من أعلى السحابة بارق
وأجاد زهير في قوله: من الطويل
وقد شهد المسواك عندي بطيبه ... ولم أر عدلا وهو سكران يطفح
وقال الفقيه عمارة اليمني: من الطويل
شهدت يقينا أن مرآك جنة ... وقالوا وما ادري وريقك كوثر
وقال ابن هاني المغربي: من الطويل
وما عذب المسواك إلا لأنه ... يقبلها دوني وإني لراغم
وقلت له صف لي جنا رشفاتها ... فالثمني فاها بما هو زاعم
وقال آخر من السريع:
من آل هارون تعشقته ... يقتلني بالصد والتيه
قد أنزل السلوى على قلبه ... أقول والمن على فيه
وقال كمال الدين بن العديم: من الطويل
فواعجبا من ريقها وهو طاهر ... حلال وقد أمسى علي محرما
هو الخمر لكن أين للخمر طعمه ... ولذته مع أنني لم أذقهما
وقال التهامي: من البسيط
لو لم يكن أقحوانا ثغر مبسمها ... ما كان يزداد طيبا ساعة السحر
وأخذت منه فقلت: من الوافر
يزيد رضابه في الصبح طيبا ... لان الثغر منه جنى الأقاحي
وقال بعض العرب: من البسيط
يا أطيب الناس ريقا بعد هجعتها ... وأحسن الناس عينا حين تنتقب
وأصل هذا من قول امرئ القيس: من المتقارب
كان المدام وصوب الغمام ... ونشر الخزامى وريح القطر
1 / 13