ولقد مررت بقاص من الجن يتكلم في قوله تعالى : { وجاهدوا في الله حق جهاده } وهو يقول : يا معشر الجن! الجهاد أربعة : جهاد النفس بالصبر عن العصيان , وجهاد الكفار بالسيف والسنان , وجهاد أهل البدع بالحجة والبرهان , وجهاد أهل الكبائر بالموعظة والبيان . ثم قال : أما جهاد النفس فقد قال الله تعالى :{وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى } وأنه تعالى قدم الحجة وبين المحجة وأعطى الآلة وأزاح العلة , ووعد وأوعد , فكل من عصى فمن قبل نفسه أتي , وأن العبد مخير {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } . وأما جهاد الكفار وأرباب الضلال فمن أعظم الطاعات , قال الله تعالى : { وجاهدوا في الله حق جهاده } وهو من دعائم الإسلام وأركان الدين . وأما جهاد أهل البدع _وهم المجبرة والمشبهة _فمن أهم الأمور وفرض على الجمهور , وقد قال الله تعالى : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } , فلا فتنة اكبر من فتنتهم ولا ضلالة اعظم من ضلالتهم , حيث شبهوا الله بخلقه وأضافوا القبيح إلى صنعه , وقد بلغنا من رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ في ذم المبتدعة آثار جمة , فقال _ صلى الله عليه وآله وسلم _ من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام , وقال لعائشة وقد سألته عن قول الله تعالى : {إن الذين فرقوا دينهم } من هم ؟ قال _صلى الله عليه وآله وسلم _ : هم أصحاب البدع من هذه الأمة , يا عائشة ! لكل ذنب توبة إلا أصحاب البدع فإنه ليست له توبة , أنا منهم بريء وهم مني براء . وأما جهاد أهل الكبائر فقوله تعالى : {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك } . والقوم حوله يبكون وإياي وإياكم يلعنون . فأخذني ما قرب وما بعد , لا أقدر على منع ولا أجد عونا على دفع .
পৃষ্ঠা ১১