ولقد علمتم معاشر إخواني ما بيني وبينكم من موافقة الاعتقاد وما يجمعني وإياكم من خلوص الوداد , فإن اعتمادي عليكم واعتدادي بكم وانقطاعي إليكم , وأنتم الذابون عني والسالكون على سنتي , فينوبني ما نابكم ويريبني ما رابكم , فأنتم مني وأنا منكم , وكأن الشاعر عبر عنا وعنانا بقوله :
أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته وإذا أبصرته أبصرتنا
وقد علمتم معاشر إخواني ما لقيت ولقيتم من هؤلاء المعتزلة قديما وحديثا . ولقد عظمت فتنتهم واشتدت شوكتهم وعلت كلمتهم وظهرت مقالتهم وحجتهم وكنت أحسبهم في الإنس فإذا هم في الجن أكثر ومذاهبهم أظهر وعددهم أوفر , قد طبقوا البر والبحر والسهل والوعر , فلا بلد إلا ولهم فيها داع ومدرس وخطيب ومصنف يصرخون بمذاهبهم على المنابر ويملؤون الدنيا بالكتب والدفاتر . وقد جمعت بينهم وبين إخواني من مجبرة الجن كثيرا ودبرت مع خواصي في شأنهم تدابير فلم ينفذ لي فيهم حيلة ولا مكيدة . كنت أطمع في كل مرة أن نفحمهم فأفحمونا وأرجو أن نقطعهم فقطعونا وأؤمل أن نفضحهم ففضحونا , وبلغ من أمرهم أن قابلوني بقبيح الفعال وجبهوني وإياكم باللعن وسوء المقال .
وفي كل ذلك أنتم الذابون عني والمناضلون دوني . ولكن لا ينفع معهم التوازر والقتال ولا ينجع فيهم المقال . إن قاتلنهم هزمونا وإن قاولناهم أفحمونا وإن تركناهم لعنونا , إن قلنا نحسن العشرة تلوا : {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } , وإن طلبنا الموافقة قرأوا : { قل يا أيها الكافرون } وإن رمنا المصالحة تلوا : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } وأنشدوا :
পৃষ্ঠা ৯