وفيه يبدي أبو نصر تذمرًا واضحًا من سير الأمور في عصره التي اضطرته إلى أن يتكلم ويرد على أمثال هؤلاء، وكأنه يرى أن على السلطان أن يأخذ على أيديهم. فيقول: "ومن علم منه خرق إجماع الكافة ومخالفة كل عقلي وسمعي قبله لم يناظر بل يجانب ويقمع، ولكن لما عدم من ينظر في أمر المسلمين محنا بالكلام مع من ينبغي أن يلحق بالمجانين" ١.
وفي الحقيقة لقد كان الخليفة القادر بالله ذا عناية بأمر العقيدة السلفية ونشرها فقد ألف كتابًا في الاعتقاد على مذهب السلف، وأمر بقراءته على الناس وإلزامهم به، ورد فيه على أهل البدع وفسق أو كفر من قال بخلق القرآن، وذكر ما وقع بين المريسي وعبد العزيز الكناني، وأخذ خطوط أهل العلم على ذلك وموافقتهم، وعزل خطباء الشيعة ورد خطباء السنة ٢.
وفي سنة ثمان وأربعمائة استتاب فقهاءَ المعتزلة فأظهروا الرجوع وتبرؤوا من الاعتزال، ثم نهاهم عن الكلام والتدريس والمناظرة في الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإِسلام وأخذ خطوطهم بذلك وأنهم مهما خالفوه حل بهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم ٣.
_________
١ انظر: مقدمة المؤلف ص ١٢٢.
٢ انظر: البداية والنهاية ١٢/٢٦، حوادث سنة ٤٢٠.
٣ انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة ٣/٧٣٣ حـ ١٣٣٣.
1 / 39