ورأيتهما فجأة كأنما تكثفت ذرات الهواء وتجمعت لتجسدهما أمام عيني، زوجي يرتدي قميصا أبيض ويلوح لي بحركته الهادئة الواثقة، ابنتي تقفز إلى جواره وتتقدم نحوي غير عابئة بحزام الشرطة، الرجل الشرطي يدفعها إلى الوراء.
أرفع يدي في الهواء كأنما لأمسكها، لكن المسافة لا تزال بعيدة، وعلى اللوح الخشبي أمام موظف الجمرك تبعثرت ملابسي وملابس الطفل، وأصابع الموظف تعبث بأوراقي وكتبي، ولم يكن معي شيء، لعب أطفال وطائرة زرقاء لابنتي تحوطها أجنحة رقيقة بيضاء.
شد الموظف الطائرة من علبتها الكرتون المربوطة بشريط ملون، وهزها بقوة ليتأكد أن ليس داخلها شيء، فانزلقت من يده، وسقطت على الأرض، وتناثرت الأجنحة الرقيقة كالفراشة البيضاء فوق الأسفلت.
وفي العناق أغرق الفرح الأحزان الصغيرة، وخرجت من المطار والأذرع تحوطني: زوجي وابنتي وإخوتي والأصدقاء، وبين ذراعي أحمل ابني، عضو جديد في الأسرة الصغيرة.
الفصل الثالث
الأغوار وحافة النهر
في يونيو 1966 عدت إلى الوطن، وفي يونيو 1967 وقعت الهزيمة، عام واحد مضى كأنه عشرة أعوام، والهزيمة في الهواء أتنفسها قبل أن تقع.
الأعلام وأقواس النصر ترتفع فوق كل شبر من الأرض، الأناشيد الوطنية في الميكروفونات والإذاعات ليل نهار، لكن خلايا جسمي وعقلي تحس الهزيمة في انحناءات أقواس النصر لأي نسمة تهب، ونبرات الأصوات تصيبها البحة كالنشيج في نهاية كل نشيد، وزوايا العيون تحت الجفون المسدلة فوق المنصات، وفتحات الأنف تتشمم من تحت الكراسي والموائد.
ثم جاء ذلك اليوم الخامس من يونيو، ورأيت العصافير والطيور ترفرف مذعورة في السماء ثم تختفي هاربة، كأنه يوم شتاء والبرق والرعد ينذر بالمطر.
كنا في عز الصيف ولا برق ولا رعد ولا مطر، لكن السماء تغيرت فجأة، دوي الطائرات الخاطف أشد سرعة من الضوء، وانفجارات بعيدة مكتومة، ثم عادت السماء كما كانت بعد بضع دقائق.
অজানা পৃষ্ঠা