البلد وأعيانها وأهاليها، وكان في مقدّمتهم نقيب السادة الأشراف وبعض أسرته وجناب أسقف الروم الكاثوليك، فرحّبوا جميعًا بمقدمنا وشكرناهم، ثمّ ذهبنا إلى الفندق بينما كان الطريق من المحطّة إليه غاصًّا بالأهالي. ومذ وصلنا إليه طلبنا من صاحبه ما يكفينا وضيوفنا من الغرف. ولم تمض علينا فيه إلا برهة صغيرة، ثمّ توجّهنا نردّ زيارة من كانوا زارونا واِستقبلونا على المحطّة، فبدأنا بزيارة أسرة مطران بك ثمّ نقيب السادة الأشراف، وقد دُعينا من جانب الأوّل لتناول طعام العشاء عنده في مساء ذلك اليوم فأجبناه شاكرين له حسن عنايته ومعروفه. وحين فرغنا من تلك الزيارات ذهبنا، وكنّا إذ ذاك في وقت العصر، إلى التروّض والفسحة في روضة أنيقة يمرّ في وسطها نهير غاية في العذوبة والصفاء. وقد اِجتمع لأجلنا هنالك عدد كبير من الفرسان على خيلهم الجميلة، ثمّ أخذوا يلعبون أمامنا على جملة كان منها طريقة الهجوم. وكان البعض من تلك الخيل حروريًا كريمًا، فسررت كثيرًا من ألاعيبهم. وأكثر ما سرّني أنّي شاهدت بين هؤلاء
الفوارس جملة من الشبّان الأحداث الّذين لا يزيد عمر أكبرهم عن ١٤ سنة، وكانوا يلعبون ألاعيب مدهشة بمهارة فائقة. وقد مكثنا نشاهدهم معجبين بما كانوا يأتونه من ضروب الفروسية، ريثما جيء لنا بالقهوة. ثمّ ذهبنا إلى حضرة أسقف المذهب الأرتدكسي (وهذا المذهب يحتمي أبناؤه بحماية دولة الروسيا) فاِستقبلنا حضرته اِستقبالًا جميلًا مع بعض رجاله. ومُذ جلسنا قام شاب من تلاميذ مدرستهم وألقى بين يدينا خطابة رشيقة اللفظ كانت تنحصر عباراتها في الترحيب بنا وبيان ما شمل القوم من السرور بزيارتنا لبلدهم. فشكرنا لحضرة الأسقف وحاشيته لطفهم وأدبهم، ثمّ خرجنا من عندهم مودّعين بكلّ حفاوة واِحترام حيث قصدنا إلى بيت آل مطران.
أسرة مطران
هي أسرة كبيرة قديمة كاثوليكية المذهب، هاجرت من زمن بعيد من حوران إلى الشام، ثمّ توطّنت بعلبك، ولم تزل فيها منذ أربع مائة سنة. ويحكى أنّ جدّ هذه الأسرة كان المطران أبيفانيوس، أسقف بعلبك الّذي حضر المجمع الأسقفي المعقود في
1 / 88