آخر الزمان. وقد كان أمام هذه المكتبة جامع ابن بيبرس وقد منعنا أن
نزور غيره أيضًا من جوامع دمشق الكثيرة الّتي منها أيضًا جامع السنانية أنّنا كنّا قريبين من وقت الظهر. وبعد أن تناولنا طعام الغداء في الفندق أخبرنا بحضور جملة من الخيل فاطّلعنا عليها. وكنّا نحسب أنّ فيها ما يجتلب رغبتنا ويجتذب اِستحساننا ولكنّا، مع مزيد الأسف، وجدناها كسائر الخيل المعتادة لا تمتاز حتّى ولا بأنّها من تلك الجياد الأصيلة. ولذلك صرفنا عنها النظر، وذهبنا في عربة إلى زيارة تكيّة المولوية، تلك الّتي ذكرنا أنّها كانت في طريقنا من المحطّة إلى الفندق. دخلنا هذه التكيّة، وهي من البناء المزخرف الجميل قائمة في وسط حديقة غنّاء. وقد اِستقبلنا عند مدخلها شيخها، وهو رجل كامل ظريف، وبعد أن رحّب بنا ناولنا من سعوطه الّذي أخبرنا أنّه من عمله وصنعة يده، فشكرت له أدبه ومعروفه. ثمّ طفنا على قاعات التكيّة ورأينا أنّ أهلها من أوّلهم إلى آخرهم ممتلئون جذلًا وسرورًا بسبب أن جلالة السلطان محمّد الخامس مولوي الطريقة، فهم من أجل ذلك يطمعون في رعايته وعطفه بنوع خاص، ويؤملون أملًا كبيرًا في أن يكون لجميع التكايا من وراء ذلك ما يرقيها ويوسّع نطاقها، حقّق الله آمالهم. ثمّ قصدنا إلى زيارة شيخ النقشبندية. ومن هناك مررنا ثانيًا من داخل المدينة في عدّة أسواق يتّصل بعضها ببعض وتتمايز بالأسماء، وكان منها سوق الأروام وسوق باب البريد وسوق الحرير وسوق الخياطين. وإذ ذاك صادفنا دار أسعد باشا، وهي تعدّ من ضمن الأمكنة الّتي يقصد إليها المسافرون ويرتادها السائحون. ولهذا الباشا خان من ضمن خانات المدينة، كما أن لمدحت باشا سوقًا طويلًا يعرف باِسمه هناك. ومن الأسواق الّتي مررنا فيها من هذا الطريق سوق يسمّى سوق القطن لأنّ القطن يباع فيه، ومنه مررنا بجامع السنانية حيث قصدنا إلى الفندق. وكان سبيل سيرنا من ناحية المرج، وهو طريق طويل من المنتزهات البديعة المنسّقة مارّ بجوار نهر بردى وعليه من جهة اليمين واليسار مزارع
وأغراس بهيجة والمتفسحون من أهل دمشق يستحسنون هذه الطريق كثيرًا وأكثرهم استحسانًا له وفسحة فيه المغرمون بركوب الخيل، فإنهم يروحون ويغدون على خيولهم يرتعون ويلعبون في هذا الطريق الجميل. بذلك ختمنا رحلة هذا اليوم، وما كاد يجيء صبح اليوم الثاني حتّى حضر إلينا في الفندق جمّ غفير من ذوات المدينة
1 / 82