وقد سرّني جدًّا منظر هذه القرية الّتي جمعت على طيب المناخ ونضارة البقعة واعتدال الجو من ضروب الحسن والبهاء ما لا يمكن الإعراب عن نعته بأكثر من أنّه جنّة عالية تجري من تحتها الأنهار، كما قال بعض الشعراء:
الصالِحيّة جنّةٌ ... وَالصّالِحونَ بِها أَقاموا
وهذا قليل في وصف بلد مثل هذه. وإنك تكاد تطير فرحًا وسرورًا عندما تشرف منها على دمشق وما يتخلّلها من الماء والخضرة ويحيط بها من البساتين النضرة، فترى من هذه المجموعة البديعة منظرًا يخدع النفس حسنه ويسترقّ الفؤاد جماله، مررنا هناك في جملة شوارع ورأينا فيما كنّا نراه بيوتًا وأكواخًا صغيرة تدلّ بظاهر هيئتها على أنّ سكّانها من الفقراء البائسين وقد كنت أحسب أنهم من العرب ولكنّي عندما تأمّلت شكلهم عرفت أنّهم من أهل كريد المسلمين توطّنوا تلك الجهة واِستعمروها. وقد رأينا في نفس البلد أيضًا بيوتًا كبيرة وقصورًا مشيدة وهي من أملاك أكابر الدماشقة وأعيانهم. ثمّ صادفنا ونحن خارجون من تلك القرية مصطبة الإمبراطور. وقد اِستغربت هذه الإضافة فسألت من بعض القوم عن سببها فقالوا: إن إمبراطور ألمانيا لمّا زار تلك الجهة نصبت له خيمة فيها ووقف على تلك المصطبة ليرى منظر المدينة وما حولها، ومن هذا الحين نسبت إليه ودعيت باسمه. ثمّ إنّه لم يكن وراء الصالحية من الجهة الغربية إلا جبل قسيون، وأمّا من ناحية الشرق فلست أجدني مبالغًا إذا قلت إن الطبيعة لم تتجلّ للعيون فتملأها حسنًا ولا للقلوب فتنهبها طربًا إلا في تلك البقعة عندما يشرف الإنسان منها على المدينة وما يحيط بها فيرى من الحسن والإبداع وجمال التكوين والاختراع ما لم يعثر النظر على مثله ولم تنسج الطبيعة على منواله. وكم كنت آسفا من أنّي لست بالشاعر الخيالي ولا بالرسام الماهر حتّى كان يمكنني أن أصوّر للقارئ كيف كان يفعل بالعقول ذلك المنظر الساحر، حينما كنت أشرف تارة على ناحية الشرق فأرى السفح مفروشًا من النبات البهي
1 / 80