نَسيمَ الصّبا النجديّ ما لكَ كلّما ... تَدانيتَ منّا زادَ نشركَ طيبا
كأنّ سُليمى أَخبرت بِسقامِنا ... فَأعطَتكَ ريّاها فَجئت طبيبا
وقد كان يكون الشعر أحسن من هذا وأوفق بالمعنى وأوفى بالمراد، لو أنّ الشاعر أبدل من لفظ النجدي لفظ الشامي، فإنّه شتّان ما نسيم النجود والقفار وشتان ريح المخصبة والبحار الّتي وصفها مادح الشام في قوله:
يا حُسنَ واديها وَطيبَ شَميمه ... قَد فاحَ عرفُ الزهرِ فيهِ وعبّقا
وَتَراسَلت أَطيارهُ بَينَ الرّبى ... سحرًا فَهيّجت الفؤادَ الشيّقا
كَيفَ اِتّجهت يخرّ نحَوكَ ماؤه ... وَإِليكَ يَركع كلّ غصنٍ أَورَقا
وما برح القطار في اتّجاهه حتّى رسا على محطّة الحدث حيث منها كان مبدأ الصعود إلى جبال لبنان. وفيما كان القطار يعالج هذا الصعود علاجًا ويتدرّج فيه تدريجًا، إذ وقف على محطّة يقال لها بعبده، وهي على مسافة تسعة كيلومترات من محطّة الحدث. وفي هذا البلد قصر عظيم كان يسكنه قديمًا أحد الأمراء السالفين، والآن يسكنه في فصل الشتاء متصرّف جبال لبنان. وعندما يشرف الإنسان من هذه الجهة على مدينة بيروت وخليج القدّيس جورج يشاهد منظرًا جميلًا وشكلًا بهيجًا. ثمّ يقف القطار على محطّة جمهور، وهي تبعد عن بعبده بمسافة ١٢ كيلومترًا وعند هذه المحطة يقترب سير القطار من طريق دمشق القديم. ثمّ يقف على موقف عربة، بعد أن يقطع مسافرًا مسافة ١٧ كيلومترًا من محطّة جمهور. ومن تلك المحطّة يمرّ القطار في نفق صغير، وإذ ذاك تحتجب الطبيعة وتتوارى معالمها عن عيون المسافرين ريثما يجتاز القطار ذلك النفق. ثمّ ينكشف الجوّ كما كان في جلبابه الأبيض الناصع. وتتجلّى معالم الطبيعة ثانية وقد بلغت في الحسن حيث تعرفها في جبال لبنان:
1 / 57