385

রেহানিয়াত

الريحانيات

জনগুলি

السوريون من الشعوب المستضعفة وهم لذلك في أشد حاجة إلى التفاهم والاتحاد، إلى التعاون والتضامن، لا حياة لنا إذا تقسمنا وتجزأنا أحزابا وطوائف، مذهبا وعصبية، بل في انقسامنا واعتزالنا بعضنا بعضا موت الوطنية التي لم تزل في المهد، في انقسامنا باب لاحتلال أجنبي لا حد له ولا شروط تقيده، وقد حان لنا أن نفهم ذلك.

فينا اليوم فريقان بل حزبان، حزب رسم دائرة صغيرة وقال: هذي هي بلادنا، هذي هي دائرتنا، وكل من كان على غير مذهبنا هو خارج الدائرة، وحزب رسم دائرة كبيرة حول الدائرة الصغيرة وقال: هذي هي بلادنا، وهذي دائرتنا تضم دائرتكم وتصونها. أصحاب الدائرة الأولى يقولون: لنا وحدنا. وأصحاب الدائرة الثانية يقولون: لنا ولكم. الدائرة الأولى لبنان، والدائرة الثانية سوريا. الأولى رمز لمبدأ النهضة اللبنانية، والثانية رمز لمبدأ الوحدة السورية.

فأي المبدأين أصح أيها القارئ؟ وأي المبدأين تعتنق؟ المبدأ الثاني مبني على الفكرة الاجتماعية السديدة أن لا حياة للشعوب الصغيرة المستضعفة إلا بالاتحاد، بالتعاون والتضامن، والمبدأ الأول مبني على الفكرة الطائفية التي لا ترى الحق في غير الاعتزال، والتي أمست عند الأمم المتمدنة ضربا من التقليد أو أثرا من الآثار.

المبدأ الثاني مبني على السنة الأساسية لا شيء بلا شيء، فإذا ساعدنا من يرغب بتحريرنا من ذوي الصولة والاقتدار ننال الصافي من غايتنا، وإذا ترددنا وانقسمنا وتفرقنا فلا ننال من حريتنا إلا ما تمنحنا إياه الدولة المتغلبة أو ما تراه موافقا أولا لمصلحتها. أما مبدأ أصحاب الدائرة الضيقة الصغيرة فمبني على وهم أن فرنسا مثلا تساعدنا وإن كنا لا نحرك ساكنا في سبيل أنفسنا، وأنها تمنحنا حريتنا واستقلالنا - هذا إذا فازت بطرد العدو من بلادنا - حبا بتقاليد قديمة طوى ذكرها الدهر، أو إكراما للصليبيين، لا أظن السوريين يؤخذون بمثل ذا التمويه.

لا شي بلا شيء - كما قلنا في مقال بنا سبق - والحقيقة التي ينبغي أن تكون فوق كل مصلحة وكل سياسة هي: أن فرنسا تبتغي من بلادنا شيئا لقاء ما ستضحيه في سبيلنا ، وهذا حق لا ينكره إلا المكابر أو الدجال، لنفرض إذا أن اللبنانيين استقلوا استقلالا تاما تحت رعاية فرنسا - كما يزعم المضللون - فماذا في لبنان من وسائل العمران التي نستطيع أن نبادل فرنسا بها لقاء رعايتها؟

إي أصحاب الدائرة الصغيرة، أصحاب الفكرة البدوية العقيمة، إي إخواننا القائلين بمثل هذه اللبنانية، كيف نصون ديارنا ونحمي ذمارنا إذا اعتدى الجيران علينا؟ بل كيف نحافظ على استقلالنا إذا حاولت الأكثرية في سوريا وهي من المسلمين أن تنزعه منا؟ بل قولوا لنا كيف نصون حدودنا البرية والبحرية؟ أبأسطول فرنسا؟ أبجنود فرنسا؟ وهل يعقل أن فرنسا تبذل من مالها ودم أبنائها في سبيل استقلالنا لمجرد كوننا من سليلة الصليبيين - كما يزعم الزاعمون؟ أيظن الناس أننا على هذا المقدار من السذاجة؟ لنجرد أنفسنا من الأوهام، لنقلع ساعة عن التضليل والتدجل، ولنفكر في معنى الاستقلال تحت رعاية فرنسا أو غيرها من الدول.

نحن في زمن ساد فيه مبدأ الاقتصاد وعلت على كل نزعاته المصالح الصناعية والعمرانية والمالية، فإذا كانت فرنسا أو غيرها من الدول ترغب في بسط حمايتها على شعب من الشعوب فلا تباشر في تحقيق رغبتها إلا إذا كان في بلاد هذا الشعب أبواب لمشاريع صناعية، ومصادر تجارية واقتصادية، تقوم بنفقات هذه الحماية أو في الأقل ببعضها، هذا من أصول الحماية أو الاحتلال أو الاستعمار، ولا يخفى علينا أن فرنسا بعد هذه الحرب تكون في حاجة إلى المال شديدة، وكفاها ما في بلادها من الأرض الخراب والمدن المتهدمة التي يجب ترميمها وتعميرها، فهل تظنها أيها الأخ اللبناني تنفق من فضلاتها علينا وعلى بلادنا إكراما لسواد عيوننا أو إكراما لكوننا - كما يزعم الدجالون - من سليلة الصليبيين؟

لا شيء بلا شيء، لا شيء مجانا. مبدأ قويم سديد لا ينكر صحته إلا الجهلاء أو المضللون، وإذا بسطت فرنسا حمايتها على بلادنا فلا مشاحة أن سيكون لها يد كبيرة في تعمير البلاد واستثمار موارد الرزق فيه لتنفق منها على ما تقتضيه الحماية من النفقات. وهذا عدل؛ لأننا إذا كنا عاجزين اليوم عن نيل حريتنا واستقلالنا وحدنا، وإذا كنا راغبين في أن تبذل دولة من الدول شيئا من قواها في سبيلنا، فالتبادل بالمنافع واجب، وإذا كانت بلادنا خالية مثلا من سبل العمران ومصادر الرزق فلا يغرننا أن الدولة التي ستساعدنا تمنحنا حرية خالصة من كل شائبة، وتهبنا استقلالا تاما صافيا لوجه الله.

لذلك نقول: إن الفكرة اللبنانية، بل الفكرة القومية الطائفية، هي فكرة قديمة عقيمة، هي لو عمل بها اليوم ضربة قاضية علينا، فقد كانت سبب تقهقرنا وبلائنا في الماضي، وستكون إذا سادتنا سبب تقييدنا في المستقبل، ولكننا واثقون بتعقل المستقلين رأيا وعملا من اللبنانيين، فسينبذون - ولا شك - هذه الفكرة آجلا أو عاجلا وسينبذون كل من بشر بها إما جهلا وإما تضليلا.

وايم الله، ليس أحد أشد غيرة منا على لبنان، وليس أحد أشد رغبة منا في أن يكون للبنان استقلال نوعي على شكل ما كان له في الماضي، بل أبعد قصدا من ذاك النظام وأمتن أساسا. فنحن ممن يطالبون باستقلال محلي لا يخرج عن الرابطة الوطنية، فيكون لنا الحق مثلا أن ننتخب والينا أو متصرفنا منا ويكون لأهل الشام وأهل حلب وأهل فلسطين نفس الحق ونفس الاستقلال. ولكننا نكون كلنا مرتبطين بالرابطة الوطنية، خاضعين لحكم وطني وحاكم عام، عاملين بسنة التضامن والتعاون التي هي سنة الاجتماع وسنة العمران.

অজানা পৃষ্ঠা