أما أولئك الذين لم يزالوا ينادون بالعصبية الدينية أو الطائفية ويحاولون زرع بذور الشقاق فينا، أولئك الذين ينفثون في جامعتنا سم الجهل والتعصب والتفريق، لمطامع نفسية دنيئة، أو لمآرب سياسية ذميمة، فإنما هم يقتفون أثر الأتراك المفسدين المضللين السفاحين. لغتهم عربية ولكن روحهم تركية، هم أعداء الأمة والوطن، أجل، إن من ينفخون اليوم في بوق النعرة الدينية أو يتسلحون على أعدائهم بالنزعة الطائفية لمارقون خائنون، هم - والحق يقال - رجعيون، والرجعيون إما جاهلون متعصبون، وإما منافقون مجرمون.
السوري اليوم واحد، والمشانق نفسها تنطق بذلك، فما اللبناني والشامي، والبيروتي والحلبي والفلسطيني، والمسلم والدرزي والمسيحي واليهودي؛ إلا أسماء أولى نسمى بها. أما اسم العائلة عائلتنا فهو سوريا، وسوريا واحدة لا نقبل بتجزئتها، ولا - والله - نحن لا نقبل بتخليص ولاية دون أخرى من الولايات السورية، ولا الحكومة الإفرنسية تريد ذلك.
8
من جملة ما قاله لي الوزير الذي حدثتكم عنه كلمة أثرت بي وأحزنتني، قال: عجيب أمركم أنتم السوريون، تتفقون في الجوهريات وتختلفون في توافه الأمور، وجدير بكم أن تقتدوا بالأرمن اليوم، الأسبوع الماضي كان جالسا في هذا الكرسي أمامي نوبار باشا وإلى يمينه نائب بطريرك الأرمن وإلى شماله فوضوي أرمني هم يوما أن يقتل نوبار باشا، فجاءوا يقولون لي: كنا في الماضي مختلفين منقسمين بعضنا على بعض وأما اليوم فلا أحزاب ولا طوائف تفرق بيننا، كلنا اليوم حزب واحد وأمة واحدة، كلنا أرمن، فهلا اقتديتم أنتم السوريون بهم؟
كلمة حق أسكتتني وأحزنتني، ولكن أملي بالاتحاد كبير، وإيماني بأبناء وطني لا يتزعزع، في السنة الماضية جمعت كلمتنا ووحدت قلوبنا لجنة إعانة المنكوبين، وستجمع اليوم كلمتنا وتوحد قلوبنا لجنة تحرير سوريا ولبنان. ولعمري إن غاية اللجنة هذه لأشرف وأعظم الغايات؛ لأن في إعانة المنكوبين خلاص قسم من الناس فقط وفي تحرير البلاد خلاص أمة بأسرها، خلاصها في الحاضر، وخلاصها في المستقبل، وهذه اللجنة بغايتها أولا لا برجالها، بمبدئها لا بمنشئيها، وأنا ممن ينشدون ويقدسون غايتها، ويسعون في تعزيز مبدئها، ويتشرفون أن يكونوا من أعضائها.
نعم إن مثل المشروع الذي ستقوم به هذه اللجنة يشرف العاملين من أجله، الساعين في تعزيزه، المفادين بأرواحهم في سبيله، وأي شرف - رعاكم الله - أجمل من ذا الشرف وأسمى؟ شرف الجهاد في سبيل الحرية، شرف السعي في تحرير أمتنا من نير العبودية، شرف النصر على السفاحين المدمرين أبناء هولاغو وجنكيزخان، بل شرف القتال جنبا إلى جنب وجنود فرنسا البواسل جنود الحرية منذ نشأت الحرية، جنود النصر في ساحات الوغى، جنود الحق في حرب الأمم، جنود المجد في سبيل المدنية، والسوري والإفرنسي أخوان، يأتلفان ويتحابان؛ فقد حاربا في الماضي معا وحاربا معا في هذه الحرب أيضا. •••
وغدا يحارب الجنود الإفرنسية فلا بلادنا ليحرروها، غدا يضحون بحياتهم من أجل الحرية حريتنا، فهلا شاركناهم في هذا الجهاد وهذه التضحية؟ إخواني أبناء وطني، نحن لا ندعوكم إلى الحرب في سبيل أمة غربية أجنبية، بل في سبيل أمتنا وبلادنا ندعوكم إلى الدفاع عن بيوتنا، عن حريمنا، عن أهلنا المنكوبين اليوم، ندعوكم إلى السلاح لاسترداد حقوقنا المسلوبة، ولإنقاذ بلادنا من براثن الغول التتري، الوطن يناديكم، البقية الباقية فيه تستنجدكم، تستغيثكم، أرواح الأحرار، أرواح شهداء الأمة، تصرخ بكم، يا أبناء سوريا الثأر! الثأر! الانتقام! الانتقام! أرواح الألوف من قومنا الذين ماتوا جوعا وتجويعا تناديكم اليوم يا بني لبنان وتدعوكم إلى الجهاد إلى السلاح، وصوت الأموات إنما هو صوت السماء، بل صوت الله.
من منا يسمع هذا الصوت ولا يستجيبه؟ من منا تجري في عروقه دم الرجال يسمع هذه الدعوة ولا يلبيها؟ ألا يحرك صوت الأموات - في الأقل - أرواحنا النائمة؟ ألا يستنهضنا اليوم نداء الجياع والمنكوبين الذين لم نعد نستطيع أن نعينهم بالمال؟ تجمعنا اليوم على الأخص رابطة الدم، تجمعنا اليوم نزعة الثأر والانتقام، عشنا مئات السنين عبيدا، أفلا نعيش أحرارا ولو يوما واحدا قبل أن نموت؟
إخواني أبناء وطني، في أوروبا وفي أميركا اليوم روح تسود كل نزعات الإنسان، وكل أمياله، وكل أمانيه، وهذه الروح إنما هي روح التضحية، روح المفاداة بالنفس في سبيل الحرية ومن أجل الوطن، هذه - وربي - ضحية شريفة يضحيها الإنسان، ولكن هناك ضحية أشرف وأعظم، إلا وهي ضحية المرأة، ضحية الأم التي تفادي بابنها في سبيل الوطن، ضحية الزوجة التي تفادي بزوجها، ضحية الفتاة التي تفادي بأخيها وبخطيبها.
فعلى النساء السوريات إذا أن ينهضن اليوم فيناصرن هذه اللجنة ويساعدن في تحقيق آمالها ونجاح دعواتها، يا بنات سوريا، إليكن أوجه كلامي، ويا شباب سوريا، يا شباب بيروت، يا شباب الشام، يا شباب لبنان، يا شباب حمص وحلب، يا شباب فلسطين، إياكم أنادي، من منكم في هذه القاعة يحب أن يتطوع في فيلق الحرية تحت هذا العلم؟ من منكم يفادي بحياته من أجل الوطن؟ يلزمنا فدائيون، تفضلوا، ليقف الفدائيون ليقف من أحب التطوع، الموقف موقف عمل، لا موقف كلام، موقف جنود لا موقف وعود، قفوا، تقدموا، تطوعوا الآن، ولنتمثل كلنا بقول الشاعر:
অজানা পৃষ্ঠা