أبو حنيفة رح مس الفرج لا ينقض واحتج بقول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "هل هو إلا بضعة منك" انتهى. قالوا: إن مس الفرج لما كانت حاجة الناس إليه عامة والبلوى به دائمة وجب أن ينقل شرعًا ثابتًا متواترا مستقرا. أقول: قد وقع في الأصول أن الحكم الذي تعم به البلوى لا بد أن يُنقل نقلًا مستفيضًا والقائل بذلك بعض الحنفية وخالفهم الجمهور لعموم الأدلة الدالة على قبول أخبار الآحاد وهذه القاعدة كثيرًا ما ترى المشغوفين بمحبة ما ألفوه من مذاهب الأسلاف يدفعون بها الحجج الشرعية التي يوردها خصومهم فإذا استدلوا لأنفسهم على إثبات حكم قد دأبوا عليه ودرجوا وصار عندهم من المألوفات المعروفات مالوا عن ذلك ولم يُعرِّجوا عليه وهذا ستراه في غير موطن من كتب المتمذهبين فإن كنت ممن لا تنفق عليه التدليسات ولا يغره سراب التلبيسات فلا تلعب بك الرجال من حال إلى حال بزخارف ما تنمقه من الأقوال.
فكن رجلا رِجْله في الثَّرى ... ... وهامة همته في الثُرَيّا ...
ولا حرج على المجتهد إذا رجح غير ما رجحناه إنما الشأن في التكلم في مواطن الخلاف بما يتبرأ منه الإنصاف اللهم بصرنا بالصواب واجعل بيننا وبين العصبية من لطفك أمنع حجاب، وفي الحجة البالغة موجبات الوضوء في شريعتنا على ثلاث درجات: إحداها ما اجتمع عليه جمهور الصحابة رضي الله تعالى عنهم وتطابق فيه الرواية والعمل الشائع وهو البول والغائط والريح والمذي والنوم الثقيل وما في معناها. الثانية ما اختلف فيه السلف من فقهاء الصحابة والتابعين ﵃ وتعارض فيه الرواية عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كمس الذكر لقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "من مس ذكره فليتوضأ". قال به عمر وسالم وعروة وغيرهم ﵃، ورده علي وابن مسعود ﵄ وفقهاء الكوفة ولهم قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "هل هو إلا بضعة منك" ولم يجيء الثلج بكون إحداهما منسوخا، ولمس المرأة قال ابن عمر وابن مسعود وإبراهيم ﵃ لقوله تعالى: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ ولا يشهد له حديث بل يشهد حديث عائشة ﵂ بخلافه لكن فيه نظر لأن في إسناده
1 / 49