الصحة، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت: جاءت امرأة إلى النبي ﷺ فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم حيض فكيف تصنع؟ قال: "تحتُّه ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه" فالأمر بغسل دم الحيض وحكّه بضِلع يفيد ثبوت نجاسته وإن اختلف وجه تطهيره فذلك لا يخرجه عن كونه نجسا، وأما سائر الدماء فالأدلة فيها مختلفة مضطربة والبراءة الأصلية مستصحبة حتى يأتي الدليل الخالص عن المعارضة الراجحة أو المساوية١، ولو قام الدليل على رجوع الضمير في قوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ إلى جميع ما تقدم في الآية الكريمة من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير لكان ذلك لكان ذلك مفيدًا لنجاسة الدم المسفوح والميتة ولكنه لم يرد ما يفيد ذلك بل النزاع كائن في رجوعه إلى الكل أو إلى الأقرب والظاهر رجوعه إلى الأقرب وهو لحم الخنزير لإفراد الضمير ولهذا جزمنا ههنا بنجاسة لحم الخنزير دون الميتة والدم الذي ليس بدم حيض ولا سيما وقد ورد في الميتة ما يفيد أنه لا يحرم منها إلا أكلها كما ثبت في الصحيح بلفظ: "إنما حُرِّم من الميتة أكلها" ومن رام تحقيق الكلام في الخلاف الواقع في مثل هذا الضمير المذكور في الآية فليرجع إلى ما ذكره أهل الأصول في الكلام على القيد الواقع بعد جملة مشتملة على أمور متعددة. ولحم الخنزير الدليل على نجاسته ما قدمنا قريبًا من الآية الكريمة وفيما عدا ذلك خلاف، وأما المني فاحتجوا على نجاسته بأمور: الأول حديث عمار وقد سلف عدم صلاحيته للاحتجاج، والثاني بما ورد عن جماعة من الصحابة وذلك لا تقوم به حجة لأنه لم يكن إجماعًا ولا مرفوعًا والثالث بما ورد في المَذْي من الأمر بغسل الفرج والأُنثيين، ويجاب عنه أنه إثبات لنجاسة المني بقياس لأنهما متغايران على أنه يمكن أن يكون التغليظ في المذي إما لكونه يخرج غالبًا مختلطًا بالبول أو لأنه ليس بأصل للنسل ويلزم أنه يطهُر بالنضح لما ورد عند أبي داود والترمذي وصححه من حديث سهل بن
_________
١ هذا خطأ من المؤلف والشارح فإن نجاسة دم الحيض ليست لأنه دم حيض بل لمطلق الدم والمتتبع للأحاديث يجد أنه كان مفهومًا أن الدم نجس ولو لم يأت لفظ صريح بذلك وقد كانوا يعرفون ما هو قذر نجس بالفطرة.
1 / 18