وهو المطلوب هنا والكلام في الخلاف بين من عمل بظاهر هذه الأدلة ومن اكتفى بالتثليث معروف وليس ذلك مما يقدح في كونه نجسًا لأن محل الدليل على النجاسة هو إيجاب الغسل وهكذا لا يتعلق بما نحن بصدده زيادة التغليظ بالتتريب كما وقع في أحاديث الباب في الصحيحين وغيرهما فإنه ليس المقصود ههنا إلا إثبات كون اللعاب نجسًا لا بيان كيفية تطهيره فلذلك موضع آخر، والحاصل: أن الحق ما قضى به رسول الله ﷺ من التسبيع والتتريب وليس من شرط التعبد الاطِّلاع على علل الأحكام التي تعبَّدَنا الله بها على ما هو الراجح وقد صح لنا الأمر منه ﷺ بالغسل على الصفة المذكورة بالأحاديث الصحيحة ولم نجد عنه ما يدلنا على خلاف هذا الحكم فلا يحل تحويل الشرع المتقرر بأقوال علماء الأمة سواء كان القول المخالف منسوبًا إلى جميعهم أو إلى بعضهم، وقد حفظ الله هذه السنة بأقوال جماعة من علماء الأمة كما هو معروف في كتب الخلاف والفقه وشروح السنة، ومن أغرب ما يراه من ألهمه الله رشده وحبب إليه الإنصاف ما يقع في كثير من المواطن من جماعة من ذلك عن الشريعة بمعزل والميل عن الحكم الثابت بشرع أوضح من الشمس من دون سبب يقتضي ذلك كما فيما نحن بصدده وفيما سلف في بول الصبي وأشباه هذا ونظائره لا تحصى والله المستعان.
وروث الدليل على نجاسته ما تقدمت الإشارة إليه من قوله ﷺ في الروثة: "إنها ركس" والركس في اللغة النجس فالروثة نجس وهو المطلوب وقد قدمنا كلام التيمي في تخصيص ذلك بروث الخيل والبغال والحمير. "ودم حيض" الدليل على ذلك ما ثبت عند أحمد وأبي داود والترمذي من حديث خولة بنت يسار قالت: يا رسول الله ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه قال: "فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلي فيه" قالت: يا رسول الله إن لم يخرج أثره، قال: "يكفيك الماء ولا يضرك أثره" وفي إسناده ابن لهيعة، وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان من حديث أم قيس بنت محصن مرفوعًا بلفظ: "حُكّيه بضِلَع١ واغسليه بماء وسِدْر". قال ابن القطان: إسناده في غاية
_________
١ بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام أي بعود والأصل فيه الضلع باللام الساكنة ضلع الجنب وقيل للعود الذي فيه انحناء وعرض ضلع تشبيهًا بالضلع الذي هو واحد الأضلاع قاله في اللسان. وقال ابن الأعرابي الضلع ههنا العود الذي فيه الاعوجاج. وفي بعض الروايات: "بضلع" بفتح الصاد المهملة وإسكان اللام وهو الحجر. وزعم ابن دقيق العيد أن الأول تصحيف وهو خطأ.
1 / 17