وكان ذيوجانس، وهو غير الذي غدا كلبيا بعد أن كان مزيفا للنقود، يؤكد أن الروح كان جزءا من الكنه الإلهي، فكانت هذه الفكرة زاهرة على الأقل.
وكان أبيقور يركب الروح من أجزاء كالبدن، وكان أرسطو الذي فسر على ألف وجه؛ لأنه مستغلق يعتقد - على رواية بعض تلاميذه - أن قوة الإدراك عند جميع الناس كانت واحدة جوهرا.
وكان اللاهوتي أفلاطون، الذي هو أستاذ للاهوتي أرسطو، واللاهوتي سقراط، الذي هو أستاذ للاهوتي أفلاطون ؛ يقولان: إن الروح جثماني أبدي، وكان عفريت سقراط قد علمه أمره من ذلك، والواقع أنه يوجد من الناس من يزعمون أن الإنسان الذي يباهي بوجود عفريت عشير له يكون مجنونا أو مداجيا، ولكن هؤلاء الناس عسراء كثيرا.
وأما آباء الكنيسة عندنا فقد اعتقد كثير منهم في القرون الأولى كون الروح البشري والملائكة والرب ذوي جسم.
ويصفى العالم دائما، وإذا ما نظر إلى رواية الأب مابيون وجد أن سان برنارد كان يقول عند الكلام في موضوع الروح: إن النفس بعد الموت لا ترى الرب في السماء مطلقا، بل تحادث ناسوت يسوع المسيح فقط، فلم يصدق كلامه في هذه المرة، وكانت مغامرة الحرب الصليبية قد أزالت شيئا من قيمة عرافاته، ثم أتى ألف عالم لاهوتي، كالأستاذ الثبت والأستاذ المدقق والأستاذ الملائكي والأستاذ السارفيمي والأستاذ الكروبي، كانوا مطمئنين إلى معرفة النفس معرفة جلية، ولكن مع عدم تسليمهم بأن يحدث عنها كما لو كانوا يريدون ألا يسمع أحد عنها حديثا.
وولد ديكارتنا لاكتشاف أغاليط القرون القديمة؛ ولكن ليستبدل بها أغاليطه، وذلك أنه إذا سار - وهذا المنهاج الذي يعمي أعاظم الناس - خيل إليه أنه أثبت أن النفس عين الفكر، كما أنه يرى أن المادة هي عين الاتساع، وقد وكد أن الإنسان يفكر دائما، وأن الروح تحل في الجسم مزودة بجميع مبادئ ما بعد الطبيعة، عارفة بالله وبالفضاء واللانهاية، حائزة جميع الآراء المجردة، زاخرة بروائع العلوم التي تنساها - مع الأسف - عند خروجها من بطن أمها.
ولم يقتصر قس الأوراتوار، مسيو ملبرانش، في أسمى أوهامه، على الأفكار الفطرية، بل كان لا يشك في استقرارنا بالله جميعا؛ ولذا لا يكون الرب خالقا لروحنا.
وظهر من المبرهنين كثير جعلوا من النفس رواية، وتواضع حكيم فجعل منها تاريخا، فقد بين لوك العقل البشري للإنسان، وذلك كما يوضح عالم التشريح نوابض الجسم البشري للإنسان، وهو يستعين بنور الفزياء حيثما كان، وهو يقدم على الكلام مؤكدا أحيانا، ولكنه يقدم على الشك أيضا، وهو يفحص بالتدريج ما نريد أن نعرف بدلا من أن يعرف - من فوره - وهو يتناول طفلا حين ولادته، فيتتبع نشوء إدراكه خطوة، وهو يبصر ما هو مشترك بين جميع الحيوانات، وتكون مشاهدته الشخصية وشعوره الفكري أخص ما يستشير، فقد قال:
أترك أمر النقاش فيه لمن يعرفون عنه أكثر مما أعرف، هل روحنا موجودة قبل تركيب جسمنا أو بعده؟ ولكنني أعترف بأنه كان من قسمي أحد تلك الأرواح الغليظة التي لا تفكر دائما، حتى إنه كان من سوء حظي ألا أتمثل أن احتياج الروح إلى التفكير أكثر من احتياج الجسم إلى الحركة.
وأما من جهتي فأجدني مباهيا بكوني أكثر من لوك غباوة في هذه النقطة، ولن يجعلني أحد أعتقد أنني أفكر دائما، ولا أجدني أكثر استعدادا منه لأتصور أنني كنت بعد بضعة أسابيع من الحمل بي، روحا بالغ العلم، عارفا ألف شيء في ذلك الحين فنسيته عند الولادة، وأنني كنت حائزا في الرحم من المعارف - على غير جدوى - ما أفلت مني عندما أصبحت محتاجا إليه، وأنني صرت عاجزا عن تعلمه ثانية بعد ذلك.
অজানা পৃষ্ঠা