রহমান ও শয়তান
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
জনগুলি
ثم إن صوفيا أحست برغبة في أن تنجب صورة عنها، ولكن رغبتها تلك لم تلق موافقة زوجها ولم تحظ بمباركة الروح الأعلى، ومع ذلك فإن رغبتها استعرت حتى شعت نحو الخارج، وأعطت الميلاد لكائن إلهي جهيض غير مكتمل أشبه بالمسخ، لأنه ولد من أمه دون موافقة الأب وتعاونه. فكان له شكل مختلط من أسد وأفعى، وله عينان جمرتان من نار. فلما رأته صوفيا ذعرت وأبعدته عنها، ولكيلا يراه أحد من أقرانها صنعت له عرشا وأخفته في سحابة تحجبه عن الأعين، ودعت اسمه يلدابوث، فكان أول الأراكنة.
بعد أن شعر يلدابوث بقوته الذاتية، خرج من المكان الذي أودعته فيه أمه وجعل لنفسه فلكا ناريا أقام فيه، فكان هذا الفلك أعلى طبقات العالم المادي الكثيف الذي سيظهر فيما بعد عن عالم الظلمات، ظلمات جهل أول الآلهة. ثم إن يلدابوث دعا اثني عشر فلك قوة تحتية إلى الظهور، لكل فلك ملاك رئيس، تحته طبقة من الملائكة الثانوية تخدمه وتأتمر بأمره. كما جعل لكل من هؤلاء الملائكة الثانويين طبقة من الملائكة الثانوية تخدمه وتأتمر بأمره، وتابع إظهار وتنظيم هذه المراتبية الملائكية حتى بلغ عدد الطبقات ثلاثمائة وستين طبقة، وعندما نظر يلدابوث إلى ما خلق من أفلاك قوة تحته ، ابتهج وصاح قائلا: أنا الرب ولا إله غيري، إله غيور (سفر الخروج، 20: 3؛ وسفر التثنية، 5: 9). ثم شرع يصنع السماوات والأرض بكلمته الخالقة، بالقوة التي ورثها عن أمه صوفيا، ولكن صوتا جاءه من الأعالي قائلا: أنت مخطئ يا سمائيل «أي الأعمى»، لأن إنسانا كاملا وخالدا ومستنيرا قد وجد قبلك، ولسوف يأتي ويحل في جسد فيحطم مملكتك كما تحطم الجرة الفخارية، ويحيل كل نقص إلى كمال الحقيقة.
بعد أن اكتمل خلق السماوات والأرض، أطل الأب الأعلى إلى الأرض في صورة الإنسان القديم فانعكس خياله على صفحة الماء، فرآها الأراكنة الرؤساء وقال بعضهم لبعض: هلم نصنع الإنسان على الصورة التي رأيناها ليخدمنا على الأرض. وهكذا جبلوا الإنسان الأرضي من التراب، على صورة الإنسان القديم السماوي التي تراءت لهم، ودعوه آدم، إلا أن الهيئة الطينية بقيت مسجاة بلا حراك، رغم كل ما بذله الأراكنة لإحيائها. ولكن صوفيا، في رغبتها لاسترجاع قوة الروح التي استمدها منها يلدابوث، أوحت إليه أخيرا أن ينفخ في أنف آدم بعضا من الروح التي فيه، ولما فعل ذلك تحرك آدم وانتصب إنسانا تاما ذا جسد مادي وروح سماوية. وهنا غار رؤساء طبقات الملائكة الثانوية من آدم لأنهم تبينوا تفوقه عليهم فهما وحكمة، فأرادوا قتله. ولكن يلدابوث أخذه وأسكنه في جنة عدن، ثم أرسل عليه سباتا وأخذ من أضلاعه واحدا صنع منه المرأة حواء. أمر يلدابوث آدم وزوجه أن يأكلا من ثمر الجنة كلها عدا ثمر شجرة المعرفة، وذلك خوفا من أن تنفتح عيونهما ويعرفا أصلهما النوراني في عالم الروح الأعلى، ولكن حواء عصت الأمر وحرضت آدم على العصيان الذي كان بمثابة الخطوة الأولى في سبيل تحرير الجنس الإنساني من حجب الجهل التي فرضها يهوه. ولقد حقق الزوجان هذه الخطوة البطولية بمعونة الأفعوان، الذي يمثل هنا مبدأ العرفان لا مبدأ الشر، والذي وهبهما المعرفة التي من خلالها وحدها يتم التخلص من سلطة يهوه ومن إسار عالمه المادي. وعندما يبلغ سعي الإنسانية نحو الخلاص أوجه، سوف يعود مبدأ العرفان ليظهر في هيئة المخلص يسوع المسيح، الذي سيرفع عن كاهل الناس لعنة الشريعة التي أبقتهم طويلا في حجب الجهل، وينقذهم من صاحب هذه الشريعة ومن العالم الناقص الذي صنعه، عندها يكتشفون الجوهر الحقيقي للروح.
خلاصة
لقد حلت الغنوصية معضلة وجود الشر في العالم بطريقة مبدعة وجديدة على الفكر الديني، وذلك بابتكارها لفكرة الأب الأعلى مصدر العالم الروحاني عالم النور، والإله الأدنى خالق العالم المادي عالم الجهل والظلمة. فالكون المادي لم يخلق كاملا من قبل الله ثم داخله الشر من خارجه، كما هو الحال في المعتقد الزرادشتي، بل إن المادة هي الشر بعينه، ومصدر هذا الشر هو إله التوراة الذي ولد صدفة من الأم صوفيا، ثم راح يخلق المادة ليقتنص فيها نور الأعالي ويحبس فيها أرواح الناس. ولكن هذا الإله وعالمه سيئولان إلى الدمار عندما يتعرف الإنسان على النور الأسمى في داخله، وهي المعرفة التي تعتقه من دورة الميلاد والموت والتناسخ في الأجساد. فالإنسان ليس خاطئا منذ البداية ولكنه مأسور في حجاب الجهل، ولا فكاك له إلا بالعرفان، وهو النشاط الأسمى للنفس الإنسانية الراغبة في الانعتاق. إن العرفان الداخلي الذي ينير جنبات النفس هو الذي يجعل من صاحبه إنسانا طيبا وأخلاقيا، ودونما حاجة إلى لوائح أخلاقية مفروضة من الخارج، لأن الشر هو الجهل والمعرفة هي الخير. أما الطقوس والعبادات الشكلية فليست في حقيقتها إلا خضوعا لإله العالم المادي وتطبيقا أعمى لشرائعه، بينما لا يتطلب الأب الأعلى من الإنسان سوى أن يعرفه ويتلمس منابع الخير في داخله، وهو ملتزم بتخليصه واستعادة روحه إلى بيتها الذي ضاعت عنه، إذا استجاب لنداء رحمته.
مراجع الفصل (1)
J. M. Eobinson, edt. The Nag Hammadi Library, Harper, New York 1972. (2)
Willis Barnstone, edt. The Other Bible, Harper, New York 1984. (3)
Gnosticism, in: Encyclopedia of Religion, vol 2.
الفصل الثامن
অজানা পৃষ্ঠা