রহমান ও শয়তান
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
জনগুলি
ومن طبعه أيضا نقض العهود والمواثيق. وها هو كاتب المزمور 89 يوجه إليه التهم الموثقة بالشواهد: «لقد كلمت صفيك في رؤيا فقلت ... وجدت داود عبدي، بدهن قداستي مسحته ... يدعوني إنك أبي وإلهي وصخرة خلاصي، وأنا أجعله بكرا عليا فوق ملوك الأرض ... مرة حلفت بقداستي ولا أكذب على داود، ليدومن نسله إلى الأبد وعرشه كالشمس أمامي ... لكنك أقصيت ورذلت، استشطت على مسيحك نقضت عهد عبدك ونجست تاجه بالتراب» (19-38).
وهو ناكر للجميل يصعب إرضاؤه، فرغم كل ما فعله موسى وأخوه هارون عبر ملحمة الخروج من مصر، فقد مات الاثنان في المعصية ولم يصفح لهما يهوه خطيئة طقسية اشتم من ورائها نقصا في الإيمان. فعندما عطش الشعب في برية سيناء تذمر على موسى وكاد أن يرجمه بالحجارة، فصرخ موسى إلى الرب طالبا عونه، فأمره أن يضرب صخرة معينة بعصاه ليتفجر منها نبع، ففعل موسى وشرب الناس، وبعد أن اجتاز بهم موسى كل المحن ووصل إلى الأطراف الشمالية لبرية سيناء على حدود كنعان، عطش الشعب ولم يكن هنالك ماء، فأمر الرب موسى وهارون أن يقفا أمام صخرة معينة ويكلماها فتخرج لهم ماء، ولكن موسى الذي كان في حالة إحباط ويأس، لم يكلم الصخرة بل ضربها بعصاه كما في المرة السابقة وصرخ في وجه الشعب: أمن هذه الصخرة نخرج لكم ماء! وبذلك ارتكب خطيئة طقسية أولا، ثم أظهر شكه بإمكانية تفجر الماء من الحجر الأصم: «قال الرب لموسى وهارون من أجل أنكما لم تؤمنا بي حتى تقدساني أمام عين بني إسرائيل، لذلك لا تدخلان هذه الجماعة إلى الأرض التي أعطيتهم إياها» (العدد، 30: 1-13). وبعد هذه الحادثة بمدة قصيرة حكم الرب على هارون بالموت: «يضم هارون إلى قومه،
4
لأنه لا يدخل الأرض التي أعطيت لبني إسرائيل، لأنكم عصيتم قولي عند ماء مريبة. خذ هارون وأليعازر ابنه واصعد بهما إلى هور، واخلع عن هارون ثيابه والبس ابنه أليعازر إياها، فيضم هارون ويموت هناك» (30: 23-26). أما موسى فقد أمهله الرب حتى وصل بقومه ضفة نهر الأردن، وهناك أصعده على جبل نبو فأراه الأرض الموعودة من بعيد ثم قبض روحه عقوبة له: «انظر أرض كنعان التي أنا أعطيها لبني إسرائيل ملكا ومت في الجبل الذي تصعد إليه، وانضم إلى قومك كما مات هارون أخوك في جبل هور، لأنكما خنتماني في وسط بني إسرائيل عند ماء مريبة» (التثنية، 32: 48-51).
إن عدم توصل إله التوراة إلى موقف متسق من مسألة الأخلاق، سواء فيما يتعلق بسلوكه الخاص أم بمطلبه الأساسي من شعبه، قد جعل الشخصيات الرئيسية في الرواية التوراتية تسلك بدوافع من محاكماتها الآنية ودون الاستناد إلى أية مرجعية أخلاقية، ونحن إذا تتبعنا سير حياة تلك الشخصيات من مختاري الرب، طالعتنا مواقف وتصرفات لا تليق بإنسان عادي، فما بالك بأولئك المختارين الذين رسم لهم الرب أدوارا مهمة في حياة الجماعة. فهذا نوح الأب الثاني للبشرية بعد آدم، والذي جاء وصفه في الكتاب بأنه الرجل البار الكامل، يتكشف عن سكير يعاقر الخمرة في خبائه ويتعرى من ثيابه حتى تنكشف عورته أمام أولاده (التكوين، 9: 20-24) ... وهذا لوط ابن أخي إبراهيم يأخذ الخمرة من يد ابنتيه ويشرب حتى يفقد وعيه، فتقوم ابنته الكبرى بمضاجعته في الليلة الأولى، ثم تفعل أختها الصغرى الشيء نفسه في الليلة التالية، وتحمل البنتان من أبيهما. (التكوين، 19: 36-38). وإبراهيم يرتحل إلى مصر في سنة مجاعة، وهناك يقول عن امرأته سارة إنها أخته لكيلا يطمع بجمالها أحد المصريين فيقتله ويأخذها، ولكن جمال سارة قد لفت أنظار رجال الفرعون فأخذوها إلى البلاط وألحقوها بالحريم، فدخل عليها الفرعون ثم أجزل العطاء لإبراهيم بسببها، وصار له غنم وبقر وحمير وجمال. (التكوين، 12: 17-20). وبذلك يبني الرجل الأول في القصة التوراتية ثروته من زنى زوجته. وقد فعل ابنه إسحاق الشيء نفسه عندما جاء إلى مدينة جرار الفلسطينية، فقال عن زوجته إنها أخته حتى لا يقتل بسببها، ولكن ملك جرار المدعو أبيمالك اكتشف كذبة إسحاق وعنفه قائلا: «إنما هي امرأتك فكيف قلت هي أختي؟ فقال إسحاق: لأني قلت لعلي أموت بسببها. فقال أبيمالك: لولا قليل لاضطجع أحد الشعب مع امرأتك فجلبت علينا ذنبا» (التكوين، 26: 3-11). وبذلك تفوق أبيمالك أخلاقيا على إسحاق.
وكان لإسحاق ولدان هما عيسو الابن الأكبر، ويعقوب الابن الأصغر الذي صار اسمه فيما بعد إسرائيل. وقد تآمر يعقوب مع أمه رفقة التي كانت تؤثره على عيسو، على اغتصاب حقوق البكورية من أخيه، فعندما دعا إسحاق وهو على فراش الموت ابنه الأكبر عيسو ليباركه، جاءت رفقه بيعقوب ليأخذ بركة أبيه عوضا عن عيسو ووضعت على يديه وعنقه فروة جدي ليغدو مشعر الجسم مثل أخيه عيسو، فلما حضر ولمسه أبوه الذي كان كليل النظر من وهن الشيخوخة، داخله الشك فسأله: هل أنت ابني عيسو؟ فقال يعقوب: أنا هو، فباركه أبوه. ومع البركة انتقلت كل حقوق الأخ الأكبر إلى يعقوب الكذاب، ومع الحقوق ورث عهد الرب الذي تجدد معه لا مع أخيه الأكبر، أي إن يهوه قد بارك من جهته كذب يعقوب وكافأه عليه، ثم إن يعقوب يتعرض بدوره لمكيدة من أولاده وهو في سن الشيخوخة، فقد أحب يعقوب ابنه الأصغر يوسف وفضله على إخوته، الأمر الذي جلب عليه بغض وحسد هؤلاء، فتآمروا لقتله عندما وافاهم في البرية وهم يرعون الغنم، ثم ألقوه في بئر جافة ليموت هنالك، وعادوا إلى أبيهم بقميصه وعليه أثر دم جدي وقالوا إن وحشا رديئا قد افترسه (التكوين 37). وبذلك يبتدئ تاريخ الأسباط الاثني عشر بالبغض والحسد والقتل والكذب.
ولدينا قصة عن أحد أولاد يعقوب المدعو يهوذا، وهو الذي تنتسب إليه قبيلة يهوذا، فقد مات الابن الأكبر ليهوذا وترك وراءه زوجته المدعوة تامار، فزوجها يهوذا من ابنه الثاني الذي ما لبث أن مات أيضا، فوعدها يهوذا بتزويجها من الابن الثالث ولكنه راح يماطل في الوفاء بوعده. وبينما هو في طريقه إلى بلدة تمنة لبعض أشغاله، خلعت تامار عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وجلست إلى جانب الطريق، ولما مر بها يهوذا ظنها زانية فطلب أن يدخل عليها. فقالت له: ماذا تعطيني إذا دخلت علي؟ قال: أعطيك جديا من الماعز. قالت: هل تعطيني رهنا ريثما ترسل الجدي؟ قال: ما الرهن الذي أعطيك؟ فقالت: خاتمك وعصابة رأسك وعصاك، فأعطاها ما طلبت ودخل عليها، وبعد ثلاثة أشهر قيل ليهوذا إن تامار قد زنت وهي الآن حبلى. قال يهوذا: أخرجوها وأحرقوها، ولكن تامار أرسلت إليه خاتمه وعصاه وعصابة رأسه قائلة إنها حامل من صاحب هذه الأشياء. فعرف يهوذا أشياءه وبرأها ثم تزوجها، فولدت له ابنين هما فارص وزارح (التكوين 38). ومن فارص ابن الزنا بالكنة يتسلسل نسب الملك داود على ما نقرأ في سفر راعوث، 4: 18-22. فداود مؤسس السلالة التي حكمت في أورشليم حتى نهاية تاريخها القديم كان ابن زنا، رغم أن الرب قد شرع في سفر التثنية: «لا يدخل زنيم في جماعة الرب ولو في الجيل العاشر» (23: 2).
في سفر الخروج، يبتدي موسى حياته بجريمة قتل لم يكن مضطرا إليها، عندما هب لنجدة العبراني الذي كان يتشاجر مع مصري، فقتل موسى المصري وطمره في الرمل. وقبل أن يخرج بجماعته من مصر حضهم على استغلال ثقة جيرانهم المصريين وسرقتهم تحت ذريعة الإعارة المؤقتة، وقد شارك يهوه في عملية السرقة هذه عندما زين للمصريين أن يعيروا لبني إسرائيل ما طلبوا: «وفعل بنو إسرائيل بحسب قول موسى. طلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابا. وأعطى الرب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم فسلبوا المصريين» (الخروج، 12: 34-36).
ويبتدي داود، مؤسس ما يدعى بمملكة كل إسرائيل، حياته العامة كقائد مرتزقة يعمل لحساب الفلسطينيين من أعداء قومه (صموئيل الأول 26-29)، وعندما صار ملكا استهل حكمه بالقضاء على نسل سلفه شاؤل، فعمد إلى تسليم أولاد شاؤل وأولاد ابنته إلى خصومهم الجبعونيين فقتلوهم (صموئيل الثاني، 21: 10-1). ورغم الزوجات والسراري اللواتي حفل بهن قصره فقد اغتصب امرأة كانت زوجة واحد من رجاله المخلصين يدعى أوريا الحثي، ثم دبر له مكيدة في الحرب أودت بحياته، وعندما عرف أن المرأة حامل تزوجها فأنجبت له سليمان، ابن الزنا والاغتصاب والقهر. لقد انتهك داود الوصية الخامسة: لا تزن. وأدار ظهرا للفقرة التشريعية القائلة: «إذا وجد رجل مضطجعا مع امرأة متزوجة يقتل الاثنان» (التثنية، 22: 22). ولم تكن أخلاق بيت داود بأفضل من أخلاق رب البيت. فقد اغتصب ابنه المدعو أمنون أخته غير الشقيقة تامار (صموئيل الثاني، 13). وقام ابنه الآخر المدعو أبيشالوم بالتمرد عليه وحاول قتله للاستئثار بالسلطة (صموئيل الثاني، 15-18).
فإذا عدنا إلى ابن الزنا سليمان، وجدناه يحتال لانتزاع ولاية العهد من أخيه أدونيا، عندما كان أبوه داود شيخا مريضا يتدفأ من داء البرداء في أحضان عذراء جميلة اسمها أبيشج الشمونية (الملوك الأول، 1: 34). وكان أول عمل يقوم به بعد مسحه ملكا هو قتل أخيه أدونيا صاحب الحق بالعرش، وقتل قائد جيش داود المخلص المدعو يوآب لدعمه أدونيا، وعندما استتبت له الأمور نسي إلهه الذي بنى له الهيكل وعبد آلهة أخرى، مما أشرنا إليه سابقا. أما عن أخبار من تلا سليمان من ملوك إسرائيل وملوك يهوذا بعد انقسام المملكة، فإن الصفحات هنا تضيق عن ذكر كل ما ارتكبوه من مخاز وآثام، ولذلك نضرب الصفح عنها، ونحيل القارئ إلى سفري الملوك الأول والملوك الثاني في الكتاب العتيد.
অজানা পৃষ্ঠা